وقيل : إنّها لمّا قالت ذلك ، قال هامان : إنّها تعرفه وأهله. خذوها حتّى تخبر بحاله. فقالت : إنّما أردت : للملك ناصحون. فمضت فأتت بأمّها وموسى على يد فرعون يبكي وهو يعلّله. فلمّا وجد ريحها ، استأنس والتقم ثديها. فقال لها : من أنت منه؟ فقد أبى كلّ ثدي إلّا ثديك! قالت : إنى امرأة طيّبة الريح طيّبة اللّبن لا أوتى بصبيّ إلّا قبلني. فدفعه إليها وأجرى عليها. فرجعت به إلى بيتها من يومها. وهو قوله : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ). (١)
[١٣] (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣))
(تَقَرَّ عَيْنُها) بولدها. (وَلا تَحْزَنَ) بفراقه. (وَلِتَعْلَمَ) علم مشاهدة. (لا يَعْلَمُونَ) أنّ وعده حقّ فيرتابون فيه أو أنّ الغرض الأصليّ من الردّ علمها بذلك وما سواه تبع. وفيه تعريض بما فرط منها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون. (٢)
(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ). يشبه أن يكون تعريضا بما صدر منها حين سمعت بخبر موسى فجزعت وأصبح فؤادها فارغا. يروى أنّها حين ألقت التابوت في اليمّ جاءها الشيطان فقال لها : يا أمّ موسى ، كرهت أن يقتل فرعون موسى فتؤجري ثمّ ذهبت فتولّيت قتله؟ فلمّا أتاها الخبر بأنّ فرعون أصابه قالت : وقع في يد العدوّ ، فنسيت وعد الله. (٣)
[١٤] (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤))
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) : مبلغه الذي لا يزيد عليه نشؤه. وذلك من ثلاثين إلى أربعين سنة. لأنّ العقل يكمل حينئذ. وروي أنّه لم يبعث نبيّ إلّا على رأس الأربعين. (وَاسْتَوى) قدّه أو عقله.
(آتَيْناهُ حُكْماً) ؛ أي : نبوّة (وَعِلْماً) بالدين. (وَكَذلِكَ) ؛ أي : مثل ذلك الذي فعلناه بموسى و
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٨٨ ، ومجمع البيان ٧ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.
(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٨٨.
(٣) الكشّاف ٣ / ٣٩٧.