قال قتادة : أتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية إلى قفاها. فألقى الكتاب على نحرها فقرأته. وقيل : كانت لها كوّة مستقبلة للشمس يقع الشمس عند ما تطلع فيها فإذا نظرت إليها سجدت. فجاء الهدهد إلى الكوّة فصدّها بجناحه ، فارتفعت الشمس ولم تعلم. فقامت تنظر. فرمى الهدهد الكتاب إليها. فلمّا أخذت الكتاب ، جمعت الأشراف ـ وهم ثلاثمائة واثنا عشر قبيلا ـ ثمّ قالت لهم : إنه ألقي إلي كتاب كريم» وصفته بالكرم لأنّه كان مختوما ـ كما جاء في الحديث : إكرام الكتاب ختمه ـ أو لأنّه صدّره ببسم الله الرحمن الرحيم ، أو لحسن خطّه وجودة لفظه وبيانه ، أو لأنّه من ملك كريم يملك الإنس والجنّ والطيور ، لأنّها سمعت به. (١)
[٣٠ ـ ٣١] (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١))
(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ؛ أي : الكتاب منه وإنّ المكتوب فيه : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ). فإنّ هذا القدر جملة ما في الكتاب. و (أَلَّا تَعْلُوا) في محلّ الرفع على أنّه بدل من الكتاب. وقيل : إنّ «أن» بمعنى أي ، مثلها في : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) : (٢) أي امشوا. أي : لا تتكبّروا عليّ وأتوني منقادين فيما أدعوكم ، أو مؤمنين بالله ورسوله. وكذا كانت الأنبياء تكتب كتبها موجزة مقصورة على الدعاء إلى الطاعة. (٣)
(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ). إنّ الله خصّ سورة الفاتحة محمّدا صلىاللهعليهوآله وشرّفه بها ولم يشرك معه فيها أحدا من الأنبياء ما خلا سليمان فإنّه أعطاه منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). ألاتراه يحكي عن بلقيس حين قالت : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). (٤)
[٣٢] (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢))
__________________
(١) مجمع البيان ٧ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.
(٢) ص (٣٨) / ٦.
(٣) مجمع البيان ٧ / ٣٤٣.
(٤) تفسير العسكريّ عليهالسلام / ٢٩.