ذلك ، وأمّا التفتيش عن حقيقته الخاصّة التي هي فوق فطر العقول ، فتفتيش عمّا لا سبيل إليه والسائل عنه متعنّت غير طالب للحقّ. والذي يليق بحال فرعون ويدلّ عليه الكلام ، أن يكون سؤاله هذا إنكارا لأن يكون للعالمين ربّ سواه لادّعائه الإلهيّة. فلمّا أجاب موسى بما أجاب ، عجب قومه من جوابه حيث نسب الربوبيّة إلى غيره. فلمّا ثنّى بتقرير قوله ، جنّنه إلى قومه وطنز به حيث سمّاه رسولهم. فلمّا ثلّث بتقرير آخر ، قال : لئن اتّخذت إلها غيري. هذا يدلّ على صحّة هذا الوجه الأخير. (١)
[٢٤] (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤))
(إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) ؛ يعني : إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدّي إليه النظر الصحيح ، نفعكم هذا الجواب. وإلّا لم ينفع. أو : إن كنتم موقنين بشيء قطّ ، فهذا أولى ما توقنون به لظهوره وإنارة دليله. (لِمَنْ حَوْلَهُ). كانوا أشراف قومه. وكانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور. وكانت للملوك خاصّة. فإن قلت : ذكر السموات والأرض وما بينهما قد استوعب به الخلائق كلّها. فما معنى ذكرهم وذكر آبائهم بعد ذلك وذكر المشرق والمغرب؟ قلت : قد عمّم أوّلا ثمّ خصّص من العامّ للبيان أنفسهم وآباءهم. لأنّ أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد وعاين من الدلائل على الصانع والناقل من هيئة إلى هيئة وحال إلى حال من وقت ميلاده إلى وقت وفاته. ثمّ خصّص المشرق والمغرب لأنّ طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستو ، من أظهر ما استدلّ به ، ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الله عن الاحتجاج بالإحياء والإماتة على نمرود (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)(٢). (٣)
[٢٥] (قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥))
__________________
(١) الكشّاف ٣ / ٣٠٧.
(٢) البقرة (٢) / ٢٥٨.
(٣) الكشّاف ٣ / ٣٠٨.