السؤال؟ قلت : فائدته أن يجيبوا بما أجابوا حتّى يبكّت عبدتهم بتكذيبهم إيّاهم فيبهتوا وتزيد حسرتهم ، وذلك يكون نوعا من عذابهم ، ويفرح المؤمنون بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك ، وليكون حكاية ذلك في القرآن لطفا للمكلّفين. وفيه كسر بيّن لقول من يزعم أنّ الله يضلّ عباده حيث يقول للمعبودين من دونه : أأنتم أضللتموهم أم هم ضلوا فيتبرّؤون من إضلالهم ويقولون : بل أنت تفضّلت على هؤلاء وآبائهم فجعلوا النعمة التي حقّها أن تكون سبب الشكر سبب الكفر ونسيان الذكر ، وذلك سبب الهلاك. فإذا برّأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الإضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم ، فهم لربّهم الغنيّ العدل أشدّ تنزيها. ولقد نزّهوه حين أضافوا إليه التفضّل بالنعمة وأسندوا نسيان الذكر إلى الكفرة فشرحوا الإضلال في قوله : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ). ولو كان هو المضلّ على الحقيقة ، لكان الجواب أن يقول : أنت أضللتهم. (١)
[١٨] (قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨))
(قالُوا). يعني المعبودين من الملائكة والإنس أم الأصنام إذا أحياهم الله وأنطقهم. (قالُوا سُبْحانَكَ) : تنزيها لك عن الشريك وعن أن يكون معبود سواك. (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ) ؛ أي : ليس لنا أن نوالي أعداءك بل أنت وليّنا من دونهم. وقيل : معناه : وما كان لنا وللعابدين أن نأمر أحدا يعبدنا ولا يعبدك. فإنّا لو أمرناهم بذلك ، لكنّا واليناهم ونحن لا نوالي من يكفر بك. وعلى قراءة : (نَتَّخِذَ) بالمجهول ، معناه : ما كان يحقّ لنا أن نعبد. (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ) ؛ أي : طوّلت أعمارهم وأعمار آبائهم ومتّعتهم بالأموال (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) المنزل على الأنبياء. (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) : هالكين. (٢)
(قالُوا سُبْحانَكَ). تعجّب منهم ممّا قيل لهم. لأنّهم أنبياء وملائكة معصومون فما أبعدهم
__________________
(١) الكشّاف ٣ / ٢٦٨ ـ ٢٧٠.
(٢) مجمع البيان ٧ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨.