بين كلامين. (حُرُماتِ اللهِ). وهو ما يجب القيام به. واختار أكثر المفسّرين في معنى الحرمات هنا أنّها المناسك لدلالة ما يتّصل بها من الآيات على ذلك. (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) ؛ أي : التعظيم خير له في الآخرة. (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ). يعني في سورة المائدة من الميتة والمنخنقة والموقوذة ونحوها (مِنَ الْأَوْثانِ). من هنا للبيان. أي : الرجس الذي هو الأوثان. وروى أصحابنا أنّ اللّعب بالشطرنج والنرد وسائر أنواع القمار من ذلك. وقيل : إنّهم كانوا يلطخون الأوثان بدماء قرابينهم فسمّي ذلك رجسا. (قَوْلَ الزُّورِ) ؛ يعني : الكذب. وروى أصحابنا أنّه يدخل فيه الغناء وسائر الأقوال الملهية. والزور من الزّور ـ بالفتح ـ وهو الانحراف. (١)
[٣١] (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١))
(حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ) ؛ أي : مستقيمي الطريقة على ما أمر الله. وهي نصب على حال. أي : حجّاجا مخلصين لا يشركون في تلبية الحجّ به أحدا. (خَرَّ مِنَ السَّماءِ) ؛ أي : سقط منها. (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) ؛ أي : تأخذه بسرعة. يريد : تخطف لحمه. قال الزجّاج : معناه : بعد من أشرك به من الحقّ كبعد من خرّ من السماء فذهبت به الطير أو هوت به الريح. وقال غيره : شبّه حال المشركين بحال الهاوي من السماء في أنّه لا يملك لنفسه حيلة فهو هالك لا محالة. (أَوْ تَهْوِي). يجوز أن يكون أو للتخيير ؛ كما في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ)(٢) أو للتنويع ، فإنّ من المشركين من لا خلاص له أصلا ومنهم من يمكن خلاصه بالتوبة ولكن على بعد. (٣)
(فَكَأَنَّما خَرَّ). يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركّب والمفرّق. فإن كان تشبيها مركبّا ، فكأنّه قال : من أشرك بالله ، فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده [نهاية] بأن صوّر حاله بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفه الطير فتفرّق مزعا في حواصلها أو عصفت به الريح حتّى هوت به في بعض المطاوح البعيدة. وإن كان مفرّقا ، فقد شبّه الإيمان في علوّه
__________________
(١) مجمع البيان ٧ / ١٣٠ ـ ١٣١ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٨٨.
(٢) البقرة (٢) / ١٩.
(٣) مجمع البيان ٧ / ١٣٣ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٨٨.