(قَوْلاً لَيِّناً). نحو قوله : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى). (١) لأنّ ظاهره الاستفهام والمشورة وعرض ما فيه الفوز العظيم. وقيل : وعداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا ينزع إلّا بالموت وأن تبقى له لذّة المطعم والمنكح إلى حين موته فإذا مات دخل الجنّة. فأعجبه ذلك. وكان لا ينقطع أمرا دون هامان. فلمّا حضر أخبره فرعون أنّه يريد أن يقبل منه فقال هامان : قد كنت أرى أنّ لك عقلا بيّنا! أنت ربّ [و] تريد أن تكون مربوبا! فقلبه عن [رأيه]. وقيل : لا تجبهاه بما يكره لما له من حقّ تربية موسى ولما ثبت له من حقّ مثل حقّ الأبوّة. وقيل : كنّياه. وهو من ذوي الكنى الثلاث : أبو العبّاس وأبو الوليد وأبو مرّة. (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ). الترجّي لهما. أي : اذهبا على رجائكما وطمعكما ، وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه فهو يجتهد بأقصى وسعه. وفائدة إرسالهما إليه مع العلم بأنّه لا يؤمن إلزام الحجّة. (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ). (٢) أي : يتذكّر ويتأمّل فيذعن للحقّ. (أَوْ يَخْشى) أن يكون الأمر كما تصفان. (٣)
قد ذهب بعض المعتزلة إلى أنّه تعالى لم يعلم أنّ فرعون يتذكّر أو يخشى. وقد أخطؤوا في تأويلهم. ولكن قوله ذلك ليكون أحرص لموسى وأخيه على الذهاب. (٤)
يحتمل أن يكون إنّما أمره بالقول اللّيّن لأنّه كان في موسى حدّة بحيث إذا غضب اشتعلت قلنسوته نارا فعالج حدّته باللّين ليكون حليما. وروي عن كعب أنّه قال : والذي يحلف به كعب ، إنّه مكتوب في التوراة : فقولا له قولا ليّنا وسأقسي قلبه فلا يؤمن. (٥)
عن سفيان قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : يجوز أن يطمع الله عباده في كون ما لا يكون؟ قال : لا. فقلت : فكيف قال الله لموسى وهارون : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) وقد علم أنّ فرعون لا يتذكّر ولا يخشى؟ فقال : إنّ فرعون تذكّر وخشي ولكن عند رؤية البأس حيث لم ينفعه
__________________
(١) النازعات (٧٩) / ١٨ ـ ١٩.
(٢) طه (٢٠) / ١٣٤.
(٣) مجمع البيان ٧ / ٢٠ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٨ ، والكشّاف ٣ / ٦٥ ـ ٦٦.
(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٦٠.
(٥) تفسير النيسابوريّ ١٦ / ١١٠.