ألقاه في جزيرة من جزائر البحر. فبقي ما شاء الله في ذلك البحر. فجاء إلى إدريس فقال : يا نبيّ الله ، ادع الله أن يرضى عنّي ويردّ إليّ جناحي. فدعا فردّ الله عليه جناحه. فقال الملك لإدريس : ألك حاجة؟ قال : نعم ؛ أحبّ أن ترفعني إلى السماء حتّى أنظر إلى ملك الموت. فإنّه لا عيش لي مع ذكره. فأخذه الملك إلى جناحه حتّى انتهى إلى السماء الرابعة. فإذا ملك الموت جالس يحرّك رأسه تعجبّا. فسلّم إدريس على ملك الموت وقال له : ما لك تحرّك رأسك؟ قال : إنّ ربّ العزّة أمرني أن أقبض روحك بين السماء الرابعه والخامسة ، فتعجّبت. ثمّ قبض روحه هنا. وهو قوله : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا). قال : وسمّي إدريس لكثرة دراسته الكتب وأنزل عليه ثلاثين صحيفة. كذا في تفسير عليّ بن إبراهيم. (١) وفي قصص الأنبياء للراونديّ عن أبي جعفر عليهالسلام مثله. (٢)
وروى في القصص عن ابن عبّاس قال : كان يصعد لإدريس من العمل الصالح مثل ما يصعد لأهل الأرض كلّهم. فسأل ملك الموت ربّه في زيارة إدريس فأتاه فعبد الله معه طويلا. ثمّ لمّا عرفه قال له : لي إليك حاجة ؛ وهي أن تصعد بي إلى السماء. فاستأذن وحمله على جناحه إلى السماء. قال : لي اليك حاجة أخرى ؛ وهي أنّه بلغني من شدّة الموت فأحبّ أن تذيقنى منه طرفا. فأخذ بنفسه ساعة ثمّ خلّى عنقه. قال : ولي إليك حاجة أخرى ، أن تريني النار. ففتح له. فلمّا رآها إدريس سقط مغشيّا عليه. ثمّ قال : لي إليك حاجة أخرى تريني الجنّة. فأدخله إليها. فقال : يا ملك الموت ، ما كنت لأخرج منها. إنّ الله يقول : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ). (٣) وقد ذقته. ويقول : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها). (٤) وقد وردتها. ويقول في الجنّة : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها)(٥). (٦)
أقول : هذان الخبران وإن كانا متعارضين في شرح القصّة إلّا أنّ الأوّل أوضح سندا وطريقا وهذا أوفق برواية العامّة.
__________________
(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٥١ ـ ٥٢.
(٢) قصص الأنبياء / ٧٧.
(٣) آل عمران (٣) / ٨٥.
(٤) مريم (١٩) / ٧١.
(٥) المائدة (٥) / ٣٧.
(٦) قصص الأنبياء / ٧٧.