في منامه ، فقد كان يقول حين ورد إلى بدر : هذا مصرع فلان وفلان. فتسامعت قريش بما أوحي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله من أمر بدر وما أري في منامه من مصارعهم فكانوا يضحكون ويستعجلون به استهزاء. وحين سمعوا بقوله : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ)(١) جعلوها سخريّة وقالوا : إنّ محمّدا يزعم أنّ الجحيم تحرق الحجارة ثمّ يقول ينبت فيها الشجر! والمعنى : انّ الآيات إنّما يرسل بها تخويفا للعباد. وهؤلاء قد خوّفوا بعذاب الدنيا ، وهو القتل يوم بدر. فما كان ما أريناك منه في منامك بعد الوحي إليك إلّا فتنة لهم حيث اتّخذوه سخريّا. وخوّفوا بعذاب الآخرة وشجرة الزقّوم ، فما أثّر فيهم. ثمّ قال : (وَنُخَوِّفُهُمْ) بمخاوف الدنيا والآخرة. (فَما يَزِيدُهُمْ) التخويف (إِلَّا طُغْياناً). فكيف يخاف قوم هذه حالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات؟ (٢)
(أَحاطَ بِالنَّاسِ) ؛ أي : أحاط علما بأحوالهم وما يفعلونه من طاعة أو معصية. وقيل : إنّه عالم بجميع الأشياء فيعلم قصدهم إلى إيذائك إذ لم تأتهم بما اقترحوا منك من الآيات. وهذا حثّ للرسول صلىاللهعليهوآله على التبليغ ووعد بالعصمة من أذيّة قومه. وهذا معنى قول الحسن. [وقيل : معناه :] إنّه أحاط بأهل مكّة ويستفتحها لك. (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) ـ الآية. فيه أقوال. أحدها : انّ المراد رؤية العين ؛ وهي الإسراء به إلى السماء. ولكن لمّا رأى ذلك ليلا وأخبر به نهارا ، سمّاها رؤيا. وسمّاها فتنة لأنّه أراد بالفتنة الامتحان حين صدّقه قوم فتعرّضوا للثواب وكذّبه آخرون فتعرّضوا للعقاب. وثانيها : ما روي عن ابن عبّاس أنّها رؤيا نوم رآها أنّه سيدخل مكّة وهو بالمدينة ، فقصدها فصدّه المشركون في الحديبيّة عن دخولها حتّى شكّ قوم. فدخلها في العام القابل ، فنزلت : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) ـ الآية. (٣) وثالثها : انّ ذلك رؤيا رآها النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّ قرودا تصعد منبره وتنزل ، فساءه ذلك ولم ير ضاحكا حتّى مات. وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليهالسلام. والشجرة الملعونة في القرآن
__________________
(١) الدخان (٤٤) / ٤٣.
(٢) الكشّاف ٢ / ٦٧٤ ـ ٦٧٥.
(٣) الفتح (٤٨) / ٢٧.