الجاحظ : لا ينكر أن ينفصل من العين الصائبة إلى الشيء المستحسن أجزاء لطيفة فتتّصل به وتؤثّر فيه. ويكون هذا المعنى خاصّيّة في بعض الأعين كالخواصّ في بعض الأشياء. واعترض عليه بأنّ الجواهر متماثلة لا يؤثّر [بعضها في بعض. وقال أبو هاشم : إنّه فعل الله بالعادة] لضرب من المصلحة. وقال الشريف الرضيّ : إنّ الله يفعل المصالح بعباده. فغير ممتنع أن يكون سلب نعمة زيد مصلحة لعمرو ، إذا كان يعلم الله من حال عمرو أنّه لو لم يسلب زيد نعمته ، أقبل على الدنيا بوجهه ونأى عن الآخرة بعطفه. وإذا سلب نعمة زيد للعلّة التي ذكرناها ، عوّضه عنها وأعطاه بدلا منها عاجلا وآجلا. ويمكن أن يتأوّل قوله عليهالسلام : العين حقّ ، على هذا الوجه. على أنّه قد روي عنه عليهالسلام ما يدلّ على أنّ الشيء إذا عظم في صدور العباد ، وضع الله قدره وصغّر أمره. وإذا كان الأمر على هذا ، فلا ينكر تغيير حال بعض الأشياء عند بعض الناظرين إليه واستحسانه له. كما روي أنّه قال لمّا سبقت ناقته العضباء ـ وكانت إذا سوبق بها لم تسبق ـ : ما رفع العباد من شيء إلّا وضع الله منه. ويجوز أن يكون ما أمر به المستحسن للشيء عند رؤيته من تعويذه بالله والصلاة على رسول الله صلىاللهعليهوآله فإنّما يقام في المصلحة مقام تغيير حالة للشيء المستحسن فلا يغيّر عند ذلك. لأنّ الرائي لذلك قد أظهر الرجوع إلى الله تعالى والإعاذة به فكأنّه غير راكن إلى الدنيا ولا مغترّ بها. انتهى كلامه. (١)
(وَما أُغْنِي). أي من قضاء الله من شيء ، إن كان قضي عليكم إصابة العين وغيرها.
يعني : إن أراد الله بكم سوءا ، لم ينفعكم ولم يدفع عنكم ما أشرت به عليكم من التفرّق وهو مصيبكم لا محالة. (٢)
[٦٨] (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
__________________
(١) مجمع البيان ٥ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.
(٢) الكشّاف ٢ / ٤٨٨.