تأويل الرؤيا ولست بكاهن ولا عرّاف؟ فأخبرهما أنّه رسول الله وأنّه تعالى علّمه بالوحي ذلك. (إِنِّي تَرَكْتُ). فلذلك خصّني الله بهذه الكرامة. (١)
(مِمَّا عَلَّمَنِي) بالإلهام والوحي. (إِنِّي تَرَكْتُ). إمّا تعليل لما قبله ـ أي : علّمني ذلك لأنّي تركت ـ أو كلام مبتدأ لتمهيد الدعوة وإظهار أنّه من بيت النبوّة لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه. ولذلك جوّز للخامل أن يصف نفسه فيقتبس منه. وتكرير الضمير للدلالة على تأكيد كفرهم بالآخرة. (٢)
(إِلَّا نَبَّأْتُكُما). وصف نفسه بإخبار الغيب وأنّه ينبّئهما بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قبل أن يأتيهما ويصفه لهما ويقول : اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت ، فيجدانه كما أخبرهما. (٣)
[٣٨] (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)
(وَعَلَى النَّاسِ). لهداية الناس بهم.
(ما كانَ لَنا) ؛ أي : لا ينبغي لنا ـ ونحن معدن النبوّة ـ أن ندين بغير التوحيد. (ذلِكَ) ؛ أي : التمسّك بالتوحيد. وقيل : النبوّة والعلم. (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) خصّنا الله بها (وَعَلَى النَّاسِ) أيضا بإرسالنا إليهم واتّباعهم إيّانا. (لا يَشْكُرُونَ). أي نعم الله. وقد كان يوسف أقام فيما بينهم زمانا ولم يحك الله أنّه دعا إلى الدين وكانوا يعبدون الأصنام ، لأنّه لم يطمع منهم في الاستماع والقبول. فلمّا رآهم عارفين بإحسانه مقبلين عليه ، رجا منهم القبول منه ، فدعاهم إلى التوحيد على ما أمره الله سبحانه في قوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(٤). روي أنّ صاحبي السجن قالا له : قد أحببناك حين رأيناك. فقال : لا تحبّاني. فو الله ما أحبّني أحد إلّا دخل عليّ من محبّته بلاء. أحبّتني عمّتي فنسبتني إلى السرقة. وأحبّني
__________________
(١) مجمع البيان ٥ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.
(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٨٤.
(٣) الكشّاف ٢ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠.
(٤) النحل (١٦) / ١٢٥.