[٤٦] (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)
(إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ). فيه أقوال. أحدها : انّه كان ابنه لصلبه. أي : ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم ، لأنّ الله قد استثنى من أهله الذين وعده أن ينجيهم من أراد إهلاكهم بالغرق فقال : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ). عن ابن عبّاس وجماعة. وثانيها : انّ المراد بقوله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) : إنّه ليس على دينك. فكأنّ كفره أخرجه عن أن يكون له أحكام أهله. وقد روي هذا عن الرضا عليهالسلام. (١) وثالثها : انّه لم يكن ابنه على الحقيقة وإنّما ولد على فراشه ، فقال إنّه ابني ، على الظاهر ، فأعلمه الله أنّ الأمر بخلاف الظاهر ونبّهه على خيانة امرأته. عن الحسن ومجاهد. وهذا الوجه بعيد. لأنّ الأنبياء يجب أن ينزّهوا عن مثل هذه الحالة المنفرة. وروي عن ابن عبّاس أنّه قال : ما زنت امرأة نبيّ قطّ. وكانت الخيانة من امرأة نوح أنّها كانت تنسبه إلى الجنون ، والخيانة من امرأة لوط أنّها [كانت] تدلّ على أضيافه. ورابعها : انّه كان ابن امرأته وكان ربيبه ويعضده قراءة من قرأ «ابنه» بفتح الهاء أو : (ابْنَها). والمعتمد المعوّل عليه في تأويل الآية القولان الأوّلان. (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ). قال المرتضى رحمهالله : تقديره : ذو عمل غير صالح. قرأ الكسائيّ ويعقوب : «عمل» بالفعل ونصب (غَيْرُ). (تَسْئَلْنِ). ابن كثير مشدّدة النون مكسورة بغير ياء. وأبو عمرو خفيفة النون مثبتة الياء. (أَعِظُكَ) ؛ أي : أحذّرك. (أَنْ تَكُونَ) : لئلّا تكون. (٢)
فإن قلت : قد وعده أن ينجي أهله وما كان عنده أنّ ابنه ليس منهم دينا. فلمّا أشفى على الغرق ، تشابه عليه الأمر. لأنّ العدة قد سبقت له وقد عرف الله حكيما لا يجوز [عليه] خلف الميعاد. فطلب إماطة الشبهة. وطلب إماطة الشبهة واجب. فلم زجر وسمّي سؤاله جهلا؟ قلت : إنّ الله عزوجل قدّم الوعد بإنجاء أهله مع استثناء من سبق عليه القول منهم. فكان عليه أن يعتقد أنّه في جملة [أهله] من هو مستوجب للعذاب لكونه غير صالح وأنّ
__________________
(١) بحار الأنوار ١١ / ٣٠٥.
(٢) مجمع البيان ٥ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ و ٢٥١.