به كلام البشر ولا يدانيه. ويروى : انّ كفّار قريش أرادوا أن يتعاطوا معارضة القرآن ، فعكفوا على لباب البرّ ولحوم الضأن وسلاف الخمر أربعين يوما لتصفو أذهانهم. فلمّا أخذوا فيما أرادوا ، سمعوا هذه الآية ، فقال بعضهم لبعض : هذا كلام لا يشبه كلام المخلوقين. وتركوا ما أخذوا فيه وافترقوا. (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) ؛ أي : وقع هلاك الكفّار وفرغ من الأمر. وقيل : الأمر نجاة نوح ومن معه. (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) ؛ أي : استقرّت السفينة على الجبل المعروف بالجوديّ ؛ وهو جبل الموصل. وروي عن موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : كان نوح لبث في السفينة ما شاء الله. فأوحى الله إلى الجبال أنّي واضع سفينة نوح على جبل منكم. فتطاولت الجبال وشمخت ، وتواضع الجوديّ ـ وهو جبل بالموصل ـ فضرب جؤجؤة السفينة الجبل. فقال نوح عند ذلك : يا مار (١) اتقن. وهو بالعربيّة : يا ربّ أصلح. (وَقِيلَ بُعْداً). أي قال الله ذلك. ومعناه : أبعد الله الظالمين من رحمته. وإنّما انتصب على المصدر وفيه معنى الدعاء. ويجوز أن يكون هذا من قول الملائكة أو قول نوح عليهالسلام. (٢)
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لمّا حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح ، جزع جزعا شديدا واغتمّ لذلك. فأوحى الله عزوجل إليه : هذا عملك بنفسك. فأوحى الله إليه أن كل العنب الأسود ليذهب غمّك. (٣)
[٤٥] (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ)
(وَنادى نُوحٌ). نداء تعظيم ودعاء. (إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ). وعدتني أن تنجي أهلى. (أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) في القول والفعل. (٤)
(وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) : أعلمهم وأعدلهم. (٥)
__________________
(١) المصدر : يا ماريا.
(٢) مجمع البيان ٥ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠.
(٣) الكافي ٦ / ٣٥٠.
(٤) مجمع البيان ٥ / ٢٥٣.
(٥) الكشّاف ٢ / ٣٩٨.