ستّمائة سنة ولم يؤمنوا ، همّ أن يدعو عليهم ، فوافاه اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية فقالوا : لا تدع على قومك. فأجّلهم ثلاثمائة سنة. فلمّا أتى عليهم تسعمائة سنة ولم يؤمنوا ، همّ أن يدعو عليهم. فأنزل الله : (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ). فقال نوح : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ) ـ الآية. فأمره الله أن يغرس النخل. فأقبل يغرسها. فكان قومه يمرّون به فيسخرون منه ويقولون : شيخ قد أتى له تسعمائة سنة يغرس النخل! فكانوا يرمونه بالحجارة. فلمّا أتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل ، أمر بقطعه. فأمره الله أن يتّخذ السفينة. فعلّمه جبرئيل كيف يصنعها. فقدّر طولها في الأرض ألفا ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها في السماء ثمانون ذراعا. فقال : يا ربّ من يعينني على اتّخاذها؟ فقال الله : ناد في قومك من نجر منها شيئا ، صار ما ينجره ذهبا وفضّة. فأعانوه وكانوا يسخرون منه. (١)
(وَيَصْنَعُ). حكاية حال ماضية. (سَخِرُوا مِنْهُ) لعمله السفينة. فإنّه كان يعملها في برّيّة بعيدة من الماء أوان عزّته فكانوا يضحكون منه ويقولون له : صرت نجّارا بعد ما كنت نبيّا! (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) إذا أخذكم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة (كَما تَسْخَرُونَ). [و] قيل : المراد من السخريّة هنا الاستجهال. (٢)
[٣٩] (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ)
(عَذابٌ يُخْزِيهِ) : الغرق (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ) حلول الدين الذي لا انفكاك عنه. (مُقِيمٌ) ؛ أي : دائم. وهو عذاب النار. (٣)
[٤٠] (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ)
(حَتَّى إِذا جاءَ). غاية لقوله : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) أو للابتداء. (وَفارَ التَّنُّورُ) : نبع الماء و
__________________
(١) تفسير القمّيّ ١ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.
(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٥٦.
(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٥٦.