جواب عن قولهم : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا). أي : وإن كنت بشرا ، فما تقولون إذا أتيتكم بحجّة دالّة على صدقي؟ ألا تصدّقونني؟ (فَعُمِّيَتْ). أهل الكوفة غير أبي بكر بضمّ العين وتشديد الميم. والباقون بفتح العين مخفّفا. (١)
(أَرَأَيْتُمْ) : أخبروني. (بَيِّنَةٍ) : حجّة شاهدة بصحّة دعواي. (رَحْمَةً) ؛ أي : النبوّة. (فَعُمِّيَتْ) ـ بالتخفيف ـ أي : خفيت عليكم فلم تهدكم. وتوحيد الضمير لأنّ البيّنة في نفسها هي الرحمة ، أو لأنّ خفاءها يوجب خفاء النبوّة ، أو على تقدير : فعميت بعد البيّنة ، وحذفها للاختصار. و «عميت» ـ بالتشديد ـ أي : أخفيت. (أَنُلْزِمُكُمُوها) ؛ أي : أنكرهكم على الاهتداء بها وأنتم كارهون لها لا تختارونها ولا تتأمّلون فيها؟ وحيث اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعا وقدّم الأعرف منهما ، جاز في الثاني الفصل والوصل. (٢)
[٢٩] (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ)
(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) ؛ أي : على التبليغ. وهو وإن لم يذكر فمعلوم ممّا ذكر. (مالاً) ؛ أي : جعلا. (عَلَى اللهِ). [فإنّه المأمول منه. (وَما أَنَا بِطارِدِ).] جواب لهم حين سألوا طردهم. (مُلاقُوا رَبِّهِمْ). فيخاصمون طاردهم عنده. أو : إنّهم يلاقونه ويفوزون بقربه. فكيف أطردهم؟ (تَجْهَلُونَ) لقاء ربّكم ، أو بأقدارهم ، أو في التماس طردهم ، أو تتسفّهون عليهم بأن تدعوهم أراذلنا. (٣)
(لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً) فتمتنعون عن إجابتي خوفا من أخذ المال. (٤)
(بِطارِدِ). كانوا يسألونه أن يطرد الفقراء ليؤمنوا به ، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء. (٥)
__________________
(١) مجمع البيان ٥ / ٢٣٥ و ٢٣١.
(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٥٥.
(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٥٥.
(٤) مجمع البيان ٥ / ٢٣٦.
(٥) الكشّاف ٢ / ٣٩٠.