وأمّا الثاني ، ففيه وجهان : أحدهما أن يراد مصاحبتهم له وما كانوا فيه معه من الحال الشديدة عليهم المكروه عندهم. يعني : أهلكوني لئلّا يكون عيشكم بسببي غصّة وحالكم عليكم غمّه ؛ أي : غمّا وهمّا. والثاني أن يراد به ما أريد بالأمر الأوّل. والغمّة : السترة. من غمّه ، إذا ستره. يعني : ولا يكن قصدكم إلى اهلاكي مستورا عليكم ولكن مشهورا مكشوفا تجاهرونني به. (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ) ذلك الأمر الذي تريدون بي. أي : أدّوا إليّ قطعه وتصحيحه. أو : أدّوا إليّ ما هو حقّ عليكم من هلاكي ، كما يقضي الرجل غريمه. [(وَلا تُنْظِرُونِ) :] ولا تمهلوني. (١)
(ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ). تهديد في صورة الأمر. قد كان هذا من معجزات نوح عليهالسلام. لأنّه كان وحيدا مع نفر يسيرو قد أخبر بأنّهم لا يقدرون على قتله لأنّ الله ناصره وحافظه. (٢)
[٧٢] (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ؛ أي : أعرضتم عن تذكيري ونصيحتي ، (فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) : فما كان عندي ما ينفركم عنّي وتتّهموني لأجله من طمع في أموالكم وطلب أجر على عظتكم. إنّ أجري وثوابي على الله في الآخرة. (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذين لا يأخذون على تعليم الدين شيئا ولا يطلبون به الدنيا. يريد أنّ ذلك مقتضى الإسلام. وحاصله أنّ تولّيهم عنه إنّما كان عنادا منهم ولم يكن عن تفريط منه. (٣)
[٧٣] (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ)
(فَكَذَّبُوهُ) ؛ أي : تمّوا على تكذيبه وكان تكذيبهم له في آخر المدّة المتطاولة كتكذيبهم
__________________
(١) الكشّاف ٢ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠.
(٢) مجمع البيان ٥ / ١٨٧.
(٣) الكشّاف ٢ / ٣٦٠.