(أَلَمْ يَعْلَمُوا). قرئ بالياء والتاء. وفيه وجهان : أحدهما أن يراد المتوب عليهم. يعني : ألم يعلموا قبل أن يتاب عليهم وتقبل صدقاتهم (أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ) إذا صحّت ويقبل الصدقات إذا صدرت عن خلوص النيّة؟ ومعنى التخصيص في (هُوَ) أنّ ذلك ليس إلى رسول الله إنّما الله هو الذي يقبل التوبة ويردّها ، فاقصدوه بها. (قُلِ) لهؤلاء التائبين : (اعْمَلُوا). فإنّ عملكم لا يخفى ـ خيرا كان أو شرّا ـ على الله وعباده ، كما رأيتم وتبيّن لكم. والثاني أن يراد غير التائبين ترغيبا لهم في التوبة. فقد روي أنّه لمّا تيب عليهم ، قال الذين لم يتوبوا : هؤلاء الذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلّمون ولا يجالسون. فما لهم؟ فنزلت. (١)
(فَسَيَرَى اللهُ) ؛ أي : يعلمها موجودة بعد أن يعلمها معدومة. (وَالْمُؤْمِنُونَ) ؛ أي : الشهداء والملائكة الذين هم الحفظة للأعمال. وروى أصحابنا أنّ أعمال الأمّة تعرض على النبيّ صلىاللهعليهوآله في كلّ اثنين وخميس. وكذلك تعرض على أئمّة الهدى عليهمالسلام فيعرفونها. وهم المعنيّون بقوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ). (٢)
[١٠٦] (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
(وَآخَرُونَ) ـ أي من المتخلّفين ـ موقوف أمرهم (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ) إن بقوا على الإصرار ولم يتوبوا (وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) إن تابوا. وهم ثلاثة : كعب بن مالك ، وهلال بن أميّة ، ومرارة بن الربيع. أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أن لا يسلّموا عليهم ولا يكلّموهم. ولم يفعلوا كما فعل أبو لبابة وأصحابه من شدّ أنفسهم وإظهار الجزع. فلمّا علموا أنّ أحدا لا ينظر إليهم ، فوّضوا أمرهم إلى الله ، فرحمهمالله. (٣)
عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ) ـ الآية ـ : انّ هؤلاء لهم منزلة بين الإيمان والكفر. وهم قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما ، ثمّ دخلوا بعد
__________________
(١) الكشّاف ٢ / ٣٠٨.
(٢) مجمع البيان ٥ / ١٠٤.
(٣) الكشّاف ٢ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩.