عزّ وعلا حقّق عند طلب الرؤية ما مثّله عند نسبة الولد إليه في قوله : (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً). (١)(فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) كما كان ، (فَسَوْفَ تَرانِي). تعليق لوجود الرؤية بوجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حتّى يدكدكه دكّا ويسوّيه بالأرض. (تَجَلَّى) ؛ أي : ظهر له اقتداره وتصدّى له أمره وإرادته. (٢)
وروى الثقة العيّاشيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام في قوله : (دَكًّا) قال : ساخ الجبل في البحر فهو يهوي حتّى الساعة. (٣) وقال : لمّا خرّ موسى صعقا ، مات. فلمّا أن ردّ الله روحه أفاق فقال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنّه لا يراك أحد. (٤)
وفي بصائر الدرجات عنه عليهالسلام قال : [إنّ] الكرّوبين قوم من شيعتنا من الخلق الأوّل جعلهم الله خلف العرش. لو قسّم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم. وإنّ موسى لمّا سأل ربّه ما سأل ، أمر واحدا من الكرّوبين فتجلّى للجبل فجعله دكّا. (٥)
وقال أمين الإسلام الطبرسيّ : جاء في الخبر أنّ الله أبرز من العرش مقدار الخنصر فتدكدك به الجبل. وقيل : صار الجبل ستّة أجبل ، وقعت ثلاثة بالمدينة : أحد وقار (٦) ورضوى ، وثلاثة بمكّة : ثور وثبير وحرى. (٧)
وفي علل الشرائع أنّه سئل أمير المؤمنين عليهالسلام عن الذرّ الذي يدخل في كوّة البيت فقال : إنّ الله لمّا تجلّى للجبل ، تقطّع ثلاث قطع. فقطعة ارتفعت في السماء. وقطعة غاصت تحت الأرض. وقطعة بقيت. فهذا الذرّ من ذلك الغبار غبار الجبل. (٨)
أقول : الأحاديث الدالّة على أنّ سؤال موسى إنّما كان لقومه ، مستفيضة بل متواترة. وتأويل الأشاعرة باطل.
(دَكًّا) : مدكوكا مفتّتا. وقرأ حمزة والكسائيّ : «دكاء» [؛ أي :] أرضا مستوية. ومنه
__________________
(١) مريم (١٩) / ٩٠ ـ ٩١.
(٢) الكشّاف ٢ / ١٥١ ـ ١٥٥.
(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٧ ، ح ٧٥.
(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٧ ، ح ٧٦.
(٥) بصائر الدرجات / ٨٩ ، ح ٢.
(٦) المصدر : ورقان.
(٧) مجمع البيان ٤ / ٧٣١ ـ ٧٣٢.
(٨) علل الشرائع / ٤٩٧ ، ح ١.