عنه. فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ قال : بلى. قال : فاخلفني. (١)
[١٤٣] (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)
(لِمِيقاتِنا) ؛ أي : وقتنا الذي وقّتنا له وحدّدناه. (وَكَلَّمَهُ) من غير واسطة كما يكلّم الملك. وتكليمه أن يخلق الكلام منطوقا به في بعض الأجرام كما خلقه في اللّوح. وروي أنّه كان يسمع الكلام من كلّ جهة. (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ؛ أي : أرني نفسك أنظر إليك. فإن قلت : الرؤية عين النظر. فكيف قال : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)؟ [قلت : معنى أرني نفسك : اجعلني متمكّنا من رؤيتك بأن تتجلّى لي فأنظر إليك وأراك. فإن قلت : فكيف قال : (لَنْ تَرانِي) ولم يقل : لن تنظر إليّ لقوله : (أَنْظُرْ إِلَيْكَ)؟] قلت : لمّا قال أرني بمعنى : اجعلني متمكّنا من الرؤية التي هي الإدراك ، علم أنّ الطلبة هي الرؤية لا النظر الذي لا إدراك معه ، فقيل : (لَنْ تَرانِي) ولم يقل : لن تنظر إلىّ. فإن قلت : كيف طلب موسى ذلك وهو من أعلم الناس بالله وصفاته وتعاليه عن الرؤية التي هي إدراك ببعض الحواسّ؟ قلت : ما كان طلب الرؤية إلّا ليبكّت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء في قوله : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ). (٢) وذلك أنّهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبّههم على الحقّ فلجّوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا : لن نؤمن لك حتّى نراه ، فأراد أن يسمعوا النصّ الجليّ من عند الله باستحالة ذلك ـ وهو قوله : (لَنْ تَرانِي) ـ لينزاح عنهم ما دخلهم من الشكّ. لن تأكيد للنفي في الأزمنة المستقبلة. (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ). معنى الاستدراك أنّ النظر إليّ محال فلا تطلبه ، ولكن عليك بنظر آخر ، وهو أن تنظر إلى الجبل الذي يرجف بك وبمن طلبت الرؤية لأجلهم كيف أفعل به وكيف أجعله دكّا بسبب طلبك الرؤية ، لتستعظم ما أقدمت عليه بما أريك من عظم أثره. كأنّه
__________________
(١) أمالي الطوسيّ ١ / ٢٦٧.
(٢) الأعراف (٧) / ١٥٥.