فيهم دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة. واللّام لتأكيد النفي والدلالة على أنّهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم. (١)
(نَقُصُّ عَلَيْكَ) لتتفكّر فيها وتخبر قومك بها ليتذكّروا ويعتبروا ويحذروا الإصرار على مثل حال أولئك المغترّين بطول الإمهال. (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) ؛ أي : فما أهلكناهم إلّا وقد كانوا في معلومنا لا يؤمنون أبدا. ويريد بقوله : (مِنْ قَبْلُ) الهلاك وهو بمنزلة قوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ). (٢)(بِما كَذَّبُوا). أي : انّ كفرهم يحملهم على أن لا يتركوه إلى الإيمان. (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) بعد إذ جاءتهم الرسل بالمعجزات بما كذّبوا به من قبل رؤيتهم تلك البيّنات. وقيل : معناه : ما كان هؤلاء الخلف ليؤمنوا بما كذّب به أوائلهم من الأمم. (كَذلِكَ نَطْبَعُ). قيل : إنّ الله سبحانه شبّه الكفر بالصدأ لأنّه يذهب عن القول حلاوة الإيمان كما يذهب الصدأ بصفاء المرآة. ولمّا صاروا عند أمر الله لهم بالإيمان إلى الكفر ، جاز أن يضيف الله الطبع إلى نفسه. كما قال : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ)(٣). (٤)
(بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ). عن أبي جعفر عليهالسلام : انّ الله خلق الخلق وهم ذرّ ، فكلّمهم في ذلك العالم. فبعضهم أنكر ولاية آل محمّد عليهمالسلام وبعضهم أقرّ بلسانه وحده. فلمّا برزوا إلى الدنيا ، لم يكونوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل. يعني عالم الذرّ. (٥)
[١٠٢] (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)
(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ). يعني أنّ أكثرهم نقض عهد الله وميثاقه في الإيمان والتقوى. (وَإِنْ وَجَدْنا) : وإنّ الشأن والحديث وجدنا أكثرهم خارجين عن الطاعة. والآية اعتراض ويجوز أن يرجع الضمير إلى الأمم المذكورين وأنّهم كانوا إذا عاهدوا الله في ضرّ ومخافة لئن أنجيتنا لنؤمننّ ، ثمّ نجّاهم ، نكثوا. كما قال فرعون لموسى : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ)
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٥١.
(٢) الأنعام (٦) / ٢٨.
(٣) التوبة (٩) / ١٢٥.
(٤) مجمع البيان ٤ / ٧٠٠ ـ ٧٠١.
(٥) تفسير القمّيّ ١ / ٢٣٦.