خلق الأشياء مدرّجا مع القدرة على إيجادها دفعة حثّ على التأنّي في الأمور. (ثُمَّ اسْتَوى) ؛ أي : استوى أمره واستولى. والعرش : الجسم المحيط بسائر الأجسام. سمّي به لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك. فإنّ الأمور والتدابير معه. وقيل : الملك. (يُغْشِي) : يغطّيه به. ولم يذكر عكسه للعلم به ، أو لأنّ اللّفظ يحتملها. قرأ حمزة والكسائيّ : «يغشي» بالتشديد ، للدلالة على التكرير. (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) ؛ أي : يعقبه سريعا كالطالب له لا يفصل بينهما شيء. (مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) ؛ أي : بقضائه وتصريفه. ونصب الشمس والقمر والنجوم بالعطف على السموات ونصب مسخّرات على الحال. وقرأ ابن عامر كلّها بالرفع على الابتداء والخبر. (لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ). لأنّه الموجد والمتصرّف. (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) : تعالى بالوحدانيّة في الألوهيّة وتعظّم بالتفرّد بالربوبيّة. (١)
(فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ). عن أمير المؤمنين عليهالسلام : ولو شاء أن يخلقها في أقلّ من لمح البصر ، لخلق ؛ ولكنّه جعل الأناة والمداراة مثالا لأمنائه وإيجابا للحجّة على الخلق. (٢)
(بِأَمْرِهِ). متعلّق بمسخّرات. أي : خلقهنّ جاريات بمقتضى حكمته وتدبيره وكما يريد أن يصرفها. سمّى ذلك أمرا على التشبيه كأنّهنّ مأمورات بذلك. (٣)
عن أبي جعفر عليهالسلام : انّ الله خلق الشهور اثني عشر شهرا وهي ثلاثمائة وستّون يوما فحجر منها ستّة أيّام خلق فيها السموات والأرض. فمن ثمّ تقاصرت الشهور. (٤) وطرحت هذه الستّة من أصل السنة فصارت ثلاثمائة وأربعون وخمسون. (٥)
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : من بات بأرض قفر فقرأ : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ) إلى : (الْعالَمِينَ) حرسته الملائكة وتباعدت عنه الشياطين إلى الصباح. فمضى الرجل فإذا هو بقرية خراب فبات فيها ولم يقرأ الآية ، فتغشّاه الشيطان فإذا هو آخذ بخطمه. (٦) فقال له صاحبه : أنظره. واستيقظ الرجل فقرأ الآية ، فقال الشيطان لصاحبه : أرغم الله أنفك. احرسه الآن حتّى يصبح.
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.
(٢) الاحتجاج ١ / ٣٧٩.
(٣) الكشّاف ٢ / ١٠٩.
(٤) الخصال / ٤٨٦ ، ح ٦٢.
(٥) الخصال / ٦٠٢ ، ح ٧.
(٦) الخطم : مقدّم الأنف والفم. (هامش النسخة)