خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)
(إِلَّا تَأْوِيلَهُ) ؛ أي : هل ينظرون إلّا عاقبة الجزاء عليه وما يؤول مغبّة أمورهم إليه. وإنّما أضاف إليهم مجازا لأنّهم كانوا جاحدين لذلك غير متوقّعين له. وإنّما كان ينتظر بهم المؤمنون لاعترافهم به. وقيل : إنّ تأويله ما وعدوا به من البعث والنشور والحساب. (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) ؛ أي : عاقبة ما وعدوا به ، يقول الذين تركوا العمل به. (رُسُلُ رَبِّنا). اعترفوا بأنّ ما جاءت به الرسل كان حقّا. (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ). تمنّوا أن يكون لهم من يشفع في إزالة العقاب. (فَيَشْفَعُوا). نصب لأنّه جواب التمنّي بالفاء. (أَوْ نُرَدُّ) إلى الدنيا. (١)
(أَوْ نُرَدُّ) ؛ أي : هل يكون لنا ردّ؟ (فَنَعْمَلَ) ؛ أي : فأن نعمل. أي : فعمل منّا. (٢)
(إِلَّا تَأْوِيلَهُ) ؛ أي : إلّا عاقبة أمره وما يؤول إليه من تبيّن صدقه وظهور صحّة ما نطق من الوعد والوعيد. (أَوْ نُرَدُّ). جملة معطوفة على الجملة التي قبلها داخلة معها في حكم الاستفهام. كأنّه قيل : هل لنا من شفعاء؟ أو هل نردّ؟ ورافعه وقوعه موقعا يصلح للاسم. كما تقول ابتداء : هل يضرب زيد؟ ولا تطلب له فعلا آخر يعطف عليه. فلا يقدّر : هل يشفع لنا شافع أو نردّ؟ وقرأ ابن اسحاق : (أَوْ نُرَدُّ) بالنصب ، عطفا على (فَيَشْفَعُوا). (٣)
(فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي). جواب الاستفهام الثاني. (ضَلَّ عَنْهُمْ) : بطل عنهم فلم ينفعهم. (٤)
[٥٤] (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤))
(فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) ؛ أي : في ستّة أوقات. كقوله : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ). (٥) أو في مقدار ستّة أيّام. فإنّ المتعارف من اليوم زمان طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن حينئذ. وفي
__________________
(١) مجمع البيان ٤ / ٦٥٧ ـ ٦٥٨.
(٢) مجمع البيان ٤ / ٦٥٧.
(٣) الكشّاف ٢ / ١٠٩.
(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٤١.
(٥) الأنفال (٨) / ١٦.