مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ)
(فَدَلَّاهُما) : فنزّلهما إلى الأكل من الشجرة. نبّه به على أنّه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة. فإنّ التدلية والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل. (بِغُرُورٍ) : بما غرّهما من القسم. فإنّهما ظنّا أنّ أحدا لا يحلف بالله كاذبا. أو : متلبّسين بغرور. (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) ؛ أي : فلمّا وجدا طعمها آخذين في الأكل منها ، أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية فتهافت عنهما لباسهما. (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) : ظهرت لهما عوراتهما. (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) ؛ أي : أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة. قيل : كان ورق التين. (أَلَمْ أَنْهَكُما). عتاب على مخالفة النهي والاغترار بقول العدوّ. وفيه دليل على أنّ مطلق النهي للتحريم. (١)
[٢٣] (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)
(ظَلَمْنا) بارتكاب المعصية. (٢)
(ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) ؛ أي : بخسناها الثوب بترك المندوب إليه. والظلم هو النقص. ومن ذهب أنّهما فعلا صغيرة ، فإنّه يحمل الظلم على تنقيص الثواب إذا كانت الصغيرة عنده تنقص من ثواب الطاعات. إذ لا خلاف أنّ آدم وحوّاء لم يستحقّا العقاب. وقيل : معناه : ظلمنا أنفسنا بالنزول إلى الأرض ومفارقة العيش الرغيد. (٣)
(وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا). دليل على أنّ الصغائر يعاقب عليها إن لم تغفر. وقالت المعتزلة : لا يجوز المعاقبة عليها مع اجتناب الكبائر. ولذلك قالوا : إنّما قال ذلك على عادة المقرّبين في استعظام الصغير من السيّئات واستحقار العظيم من الحسنات. (٤)
[٢٤] (قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥.
(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٣٥.
(٣) مجمع البيان ٤ / ٦٢٩.
(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٣٥.