لا تكون الحجّة لله عليهم على قولهم ، من حيث إنّه خلق فيهم الكفر وأراد منهم الكفر. فأيّ حجّة له عليهم مع ذلك؟ (١)
[١٥٠] (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)
(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) : أحضروهم. وهو اسم فعل لا يتصرّف عند أهل الحجاز ، وفعل يؤنّث ويجمع عند بني تميم. وأصله : هالمّ. من لمّ ، إذا قصد. حذفت الألف لتقدير السكون في اللّام فإنّه الأصل. يعني أنّ أصله المم. (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ). يعني قدوتهم فيه. استحضرهم لتلزمهم الحجّة وتظهر بانقطاعهم ضلالتهم وأنّه لا متمسّك لهم كمن يقلّدهم. ولذلك قيّد الشهداء بالإضافة ووصفهم بما يقتضي العهد بهم. (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) : فلا تصدّقهم فيه وبيّن له فساده. فإنّ تسليمه موافقة لهم في الشهادة الباطلة. (أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا). من وضع المظهر مقام المضمر للدلالة على أنّ مكذّب الآيات متّبع الهوى لا غير. (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) كعبدة الأوثان. (يَعْدِلُونَ) : يجعلون له عديلا. (٢)
(يَشْهَدُونَ) ؛ أي : الذين علم أنّهم يشهدون لهم وينصرون قولهم وكان المشهود لهم يقلّدونهم ، ليهدم ما يقومون به فيحقّ الحقّ ويبطل الباطل. فأضيف الشهداء لذلك وجيء بالذين للدلالة على أنّهم معروفون موسومون بالشهادة لهم وبنصرة مذهبهم. والدليل عليه قوله : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ). (٣)
(فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ). معناه : فإن لم يجدوا شاهدا يشهد لهم على تحريمها غيرهم فشهدوا به بأنفسهم ، فلا تشهد أنت معهم. لأنّ شهادهم تكون شهادة بالباطل. [فإن قيل : كيف دعاهم إلى الشهادة ثمّ قال : فلا تشهد معهم؟ فالجواب أنّه] قد أمرهم بأن يأتوا
__________________
(١) مجمع البيان ٤ / ٥٨٨.
(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢٦.
(٣) الكشّاف ٢ / ٧٨.