أي : داموا على الإيمان ، (ثُمَّ اتَّقَوْا) بفعل الفرائض (وَأَحْسَنُوا) بفعل النوافل. فعلى هذا يكون الاتّقاء الأوّل اتّقاء الشرب بعد التحريم ، والاتّقاء الثاني الدوام على ذلك ، والثالث اتّقاء جميع المعاصي وضمّ الإحسان إليه. (١)
(فِيما طَعِمُوا) ممّا لم يحرّم عليهم (إِذا مَا اتَّقَوْا) المحرّم وثبتوا على الإيمان وثبتوا على الأعمال الصالحة ، (ثُمَّ اتَّقَوْا) ما حرّم عليهم بعد كالخمر (وَآمَنُوا) بتحريمه ، ثمّ استمرّوا وثبتوا على اتّقاء المعاصي (وَأَحْسَنُوا) : وتحرّوا الأعمال الجميلة واشتغلوا بها. روي أنّه لمّا نزل تحريم الخمر قالت الصحابة : يا رسول الله ، فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر؟ فنزلت. ويحتمل أن يكون هذا التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة ؛ أو باعتبار الحالات الثلاث استعمال الإنسان التقوى والإيمان بينه وبين نفسه وبينه وبين الناس وبينه وبين الله ، ولذلك بدّل الإيمان بالإحسان في الكرّة الثالثة إشارة إلى ما قاله عليهالسلام في تفسيره ؛ أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ والوسط والمنتهى ؛ أو باعتبار ما يتّقى ، فإنّه ينبغي أن يترك المحرّمات توقّيا من العقاب ، والشبهات تحرّزا عن الوقوع في الحرام ، وبعض المباحات تحفّظا للنفس عن الخسّة وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة. (يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فلا يؤاخذهم بشيء. (٢)
[٩٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ)
(أَيْدِيكُمْ). نزلت عام الحديبيّة. ابتلاهم بالصيد وكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم بحيث يتمكّنون من صيدها أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم وهم محرمون. والتحقير في (بِشَيْءٍ) للتنبيه على أنّه ليس من العظائم التي تدحض الأقدام كالابتلاء ببذل الأنفس والأموال ، فمن لم يثبت عنده كيف يثبت عند ما هو أشدّ منه. (بِالْغَيْبِ) ليتميّز الخائف من
__________________
(١) مجمع البيان ٣ / ٣٧٢.
(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٢٨٢.