(ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) من المآكل بعد ما بيّن لهم المحرّمات لما حصل لهم من الشبهة في موضع يحتمل التحريم ولم يكتفوا بالبراءة الأصليّة. (لَكُمُ الطَّيِّباتُ) : ما لم تستخبثه الطبائع السليمة ولم تنفر عنه ممّا لم يدلّ على تحريمه دليل من عقل أو نقل. فيكون مؤيّدا للحكم العقليّ بالإباحة. (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ). عطف على الطيّبات ، إن كانت ما موصولة على تقدير مضاف. أي : وصيد ما علّمتم. وجملة شرطيّة جوابها (فَكُلُوا) إن كانت شرطيّة. والجوارح هنا الكلاب فقط بقرينة قوله : (مُكَلِّبِينَ). فإنّه مشتقّ من الكلب. أي : حال كونهم صاحبي كلاب أو معلّمي كلاب. (١) من قولهم : جرح لأهله ؛ أي : كسب لهم خيرا. سمّيت به الجوارح لأنّها تكسب لأهلها خيرا. (٢)
(تُعَلِّمُونَهُنَّ). انعقد إجماعنا على أنّه لا يجوز الاصطياد بشيء من الجوارح بمعنى أنّه لا يحلّ مقتولها إلّا مقتول الكلب المعلّم فإنّه حلال. وقال جماعة من الجمهور : المراد بها مطلق الجوارح من السباع والطيور. وإطلاق المكلّبين باعتبار كون المعلّم في الأغلب كلبا ولأنّ كلّ سبع يسمّى كلبا. وفيه نظر. إذ هو خلاف ظاهر الآية وإطلاق الكلب على غيره من السباع تجوّز بلا خلاف ولا يكون داخلا تحته مع الإطلاق. (تُعَلِّمُونَهُنَّ). حال ثانية أو استئناف. (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) من اتّباع كلب الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره. (مِمَّا أَمْسَكْنَ). من زائدة. والإمساك على صاحبه ألّا يأكل من الصيد. فلو أكل منه ، كان قد أمسك على نفسه. هذا إذا كان معتادا للأكل ، أمّا النادر ، فلا اعتبار به. (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) ؛ أي : على ما علّمتم. والمعنى : سمّوا عند إرسال الكلب المعلّم. ويحتمل أن يعود على ما أمسكن. أي : سمّوا عليه إذا أدركتم ذكاته. لأنّه لو أدرك ذكاته لم يحلّ. نعم ؛ يظهر من الشيخ في النهاية أنّه إذا أدركه كذلك ولم يكن معه ما يذكّيه ، فليتركه حتّى يقتله الكلب. وهو بعيد. (وَاتَّقُوا اللهَ) في محرّماته. (سَرِيعُ الْحِسابِ) فيؤاخذكم بما جلّ ودقّ. (٣)
__________________
(١) مسالك الأفهام ٤ / ١٤٦.
(٢) مجمع البيان ٣ / ٢٤٧.
(٣) مسالك الأفهام ٤ / ١٤٦ ـ ١٤٩.