يُمِيتُكُمْ) عند تقضّي آجالكم. (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) بالنشور يوم نفخ الصور ، أو للسؤال في القبور.
(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بعد الحشر ، أو تنشرون إليه من قبوركم للحساب. فما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه. فإن قيل : إن علموا أنّهم كانوا أمواتا فأحياهم ثمّ يميتهم ، لم يعلموا أنّه يحييهم ثمّ إليه يرجعون. قلت : تمكّنهم من العلم بهما بما نصب لهم من الدلائل [منزّل] منزلة علمهم في إزاحة العذر ، سيّما وفي الآية تنبيه على ما يدلّ على صحّتهما وأنّ من قدر أن يحييهم أوّلا ، قدر أن يحييهم ثانيا. (١)
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ). يجوز أن يكون الخطاب مع المؤمنين والكفّار. فإنّه لمّا بيّن دلائل التوحيد والنبوّة ووعدهم على الإيمان وأوعدهم على الكفر أكّد ذلك بأن عدّد عليهم النعم العامّة والخاصّة واستقبح صدور الكفر عنهم. فإن قيل : كيف يعدّ الإماتة من النعم المقتضية للشكر؟ قلت : لمّا كانت وصلة إلى الحياة الثانية التي هي الحياة الحقيقيّة ـ كما قال : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ)(٢) ـ كانت من النعم العظيمة مع أنّ المعدودة عليهم نعمة هو المعنى المنتزع من القصّة بأسرها ، كما أنّ الواقع حالا هو العلم بها لا كلّ واحدة من الجمل ، فإنّ بعضها ماض وبعضها مستقبل وكلاهما لا يصحّ أن يقع حالا. أو الخطاب مع المؤمنين خاصّة لتقرير المنّة عليهم وتبعيد الكفر عنهم على معنى : كيف يتصوّر الكفر منكم وكنتم أمواتا ـ أي : جهّالا ـ فأحياكم بما أفادكم من العلم والإيمان ، ثمّ يمييتكم الموت المعروف ، ثمّ يحييكم الحياة الحقيقيّة ، ثمّ إليه ترجعون فيثيبكم؟ (٣)
[٢٩] (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩))
عن أمير المؤمنين عليهالسلام. قال : (الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) لتعتبروا ولتتوصّلوا به إلى رضوانه وتتوقّوا به عذاب نيرانه. فخلق لكم كلّ ما في الأرض لمصالحكم. (٤)
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٧.
(٢) العنكبوت (٢٩) / ٦٤.
(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٧.
(٤) عيون الأخبار ٢ / ١٢ ، ح ٢٩.