كذا في عيون الأخبار. والمفسّرون أضافوا إلى هذا المعنى الانتفاع الدنيويّ للأبدان. واستدلّوا بها على أنّ الأصل في الأشياء الإباحة حتّى يظهر الدليل المخرج له. وأمّا المحدّثون من علمائنا ، حيث ذهبوا إلى أنّ ما ورد في الأخبار من أنّ لله تعالى في كلّ شىء من الأشياء حكما خاصّا فإن بلغ إلينا وإلّا فالتوقّف واجب ، خصّوا هذه الآية بالمعنى الأوّل المذكور في الخبر.
أقول : آخر الخبر فيه دلالة على قول المجتهدين أيضا. فلعلّه الأقوى والأظهر.
(اسْتَوى) ؛ أي : قصد وأقبل واستولى. لعلّ في ظاهره منافاة لقوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها)(١). وأجاب عنه المفسّرون بوجهين. الأوّل : إنّ (ثُمَّ) ليس لترتيب الزمان ، بل لتفاوت بين الخلقين وفضل خلق السماء على خلق الأرض. (٢) والثاني : انّه خلق مادّة الأرض ، أعني الزبد الذي كان على الماء قيل السماء ، لكنّه لم يدح الأرض ولم يبسطها على وجه الماء فدحاها بعد خلق السموات (٣) ، فلا منافاة حينئذ. وهذا المعنى وارد في الأخبار. فإنكار بعض المفسّرين له منكر.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ). إشارة إلى نعمة أخرى. (فَسَوَّاهُنَّ). ضمير الجمع لأنّ السماء اسم جنس. (سَبْعَ سَماواتٍ). بدل من الضمير. (٤)
[٣٠] (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠))
(وَإِذْ قالَ) ؛ أي : اذكر ـ يا محمّد ـ في ذلك الوقت هذه النعمة. أو منصوب بقالوا. (٥)
(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ). التسبيح : تبعيد الله عن السوء. وكذلك التقديس. و (بِحَمْدِكَ) في
__________________
(١) النازعات (٧٩) / ٣٠.
(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٨.
(٣) مجمع البيان ١ / ١٧٣.
(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٨.
(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٩ ، ومجمع البيان ١ / ١٧٦.