إنّما يحصل إذا أذن له الوليّ في البيع والشراء ونحوهما ليحصل الغرض. واعتبر الشيخ في الرشد هنا العدالة ، نظرا إلى أنّ الفاسق موصوف بالغيّ لا بالرشد. قال الله تعالى : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)(١) ، مع أنّه كان يراعي المصلحة الدنيويّة. وفيه نظر. فإنّ الفاسق يوصف بالغىّ في دينه والرشد في ماله. (بَلَغُوا النِّكاحَ). ذهب أبو حنيفة إلى أنّ بلوغ الرجل بثمانية عشر سنة والمرأة سبعة عشر سنة. (وَلا تَأْكُلُوها). نهى عن أكل مال اليتيم. (إِسْرافاً وَبِداراً). مصدران في موضع الحال عن الفاعل. أي : لا تأكلوها لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون في إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينزعوها من أيدينا. ويحتمل أن يراد بالإسراف هنا زيادة على المعروف الذي يجوز أكله بالآية. (فَلْيَسْتَعْفِفْ) من أكل مال اليتيم. واختلف أصحابنا في كون الأمر للوجوب فلا يجوز له أكل ماله لوجوبه ، أو على الاستحباب ويدلّ عليه لفظ الاستضعاف. وعلى الأوّل فإنّما هو فيمن يكون المال بيده أو صار وصيّا باختياره ، أمّا غيره ـ كمنصوب الحاكم ـ فالظاهر أنّه يجوز له أخذ أجرة المثل وإن كان غنيّا ويجوز للحاكم أن يجعل له جعلا ، فيكون إطلاق الآية مقيّدا بالوصف المتبرّع دون من استأجره الحاكم. وهل [المراد] الغنيّ في العرف أو في الشرع وهو من كان عنده قوت سنته؟ كلّ محتمل. (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) : قدر كفايته من غير زيادة ، أو على قدر عمله الذي هو حفظ الأموال والأولاد إن كان زائدا عمّا يحتاج إليه من قدر الكفاية وسدّ الخلّة ، أو أقلّ الأمرين من أجرة المثل وقدر الكفاية. وهو الأولى فيما لو كان عمله ممّا له أجرة. لأنّه عمل يستحقّ عليه الأجرة وكان لعامله المطالبة بها. والمأمور بالأكل هو الوصيّ عن الميّت أو من جعله الحاكم وصيّا وقيّما ، فليأكل من غير ردّ على اليتيم بعد الغنى ؛ كما هو المشهور. وقيل : يلزمه عوضه. لأنّه استباحه للحاجة فكان قرضا في ذمّته إن أيسر قضاه ، وإن مات ولم يقدر على قضائه ، فلا شيء في ذمّته ، كالمضطرّ إلى طعام غيره. وبه رواية ، لكنّها مؤوّلة. (فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ). فإنّ ذلك أبعد من التهمة وأنفى
__________________
(١) هود (١١) / ٩٧.