يقاتل المؤمنون وبين أن يقاتلوا ـ إن لم يكن بهم غمّ الآخرة ـ دفعا عن أنفسهم وأهليهم وأموالهم ، فأبوا القتال وجحدوا القدرة عليه رأسا لنفاقهم. وذلك ما روي أنّ عبد الله بن أبيّ انخزل مع حلفائه ، فقيل له ، فقال ذلك. وقيل : (أَوِ ادْفَعُوا) العدوّ بتكثيركم سواد المجاهدين وإن لم يقاتلوكم. لأنّ كثرة السواد ممّا يروّع العدوّ. ووجه آخر ؛ وهو أن يكون معنى قولهم : (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً) : لو نعلم ما يصحّ أن يسمّى قتالا لاتّبعناكم. يعنون ما أنتم فيه لخطاء رأيكم وزللكم عن الصواب ، لا يقال لمثله قتال ، إنّما هو إلقاء بالأنفس إلى التهلكة. لأنّ رأي عبد الله كان في الإقامة بالمدينة. (هُمْ لِلْكُفْرِ) ؛ أي : لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان. لأنّ تقليلهم سواد المسلمين بالانخزال تقوية للمشركين. (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) : لا يتجاوز إيمانهم أفواههم ومخارج الحروف منهم ولا تعي قلوبهم منه شيئا. (يَوْمَئِذٍ). يعني أنّهم كانوا قبل ذلك اليوم يتظاهرون بالإيمان وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم ، فلمّا انخزلوا عن عسكر المؤمنين ، تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم. (بِما يَكْتُمُونَ) من النفاق وذمّ المؤمنين. (١)
[١٦٨] (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)
(الَّذِينَ) : عبد الله بن أبيّ وأصحابه. (صادِقِينَ) في هذه المقالة. (٢)
[١٦٩] (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا). قيل : نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلا. وقيل :
في شهداء أحد وكانوا سبعين رجلا. وعن الباقر عليهالسلام وكثير من المفسّرين أنّها تتناول قتلى بدر وأحد معا. وقيل : نزلت في شهداء بئر معونة ؛ وهو أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أرسل المنذر بن عمرو في سبعين رجلا من خيار المسلمين إلى أهل نجد يدعوهم إلى الإسلام ، فلمّا وصلوا إلى ذلك
__________________
(١) الكشّاف ١ / ٤٣٧.
(٢) مجمع البيان ٢ / ٨٧٩.