فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
(فَبِما رَحْمَةٍ). ما زائدة بإجماع المفسّرين. بيّن سبحانه مساهلة النبيّ صلىاللهعليهوآله إيّاهم وتجاوزه عنهم من رحمته سبحانه حيث جعله ليّن القلب حسن الخلق. ومعناه : إنّ لينك لهم ممّا يوجب دخولهم في الدين. لأنّك تأتيهم مع سماحة أخلاقك بالحجج والبراهين. ولو كنت ـ يا محمّد ـ جافيا سيّئ الخلق قاسي الفؤاد غير ذي رحمة ، لتفرّق أصحابك عنك. (فَاعْفُ) ما بينك وبينهم. (وَاسْتَغْفِرْ) ما بينهم وبيني. وقيل : معناه : فاعف عنهم فرارهم بأحد واستغفر لهم من ذلك الذنب. (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ؛ أي : استخرج آراءهم واعلم ما عندهم. واختلفوا في مشاورته إيّاهم مع استغنائه بالوحي على أقوال. أحدها : انّ ذلك على وجه التطييب لنفوسهم والتألّف لهم والرفع من أقدارهم ليظهر أنّهم ممّن يوثق بأقوالهم ويرجع إلى آرائهم. وثانيها : انّ ذلك ليقتدي به أمّته في المشاورة ولا يروها نقيصة كما مدحوا بأنّ أمرهم شورى بينهم. وثالثها : انّ ذلك ليمتحنهم بالمشاورة فيتميّز الناصح من الغاشّ. ورابعها : انّ ذلك في مكايد الحرب وأمور الدنيا ولقاء العدوّ. وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم. (فَإِذا عَزَمْتَ). قرئ بضمّ التاء. أي : إذا عزمت لك وأرشدتك ، فاعتمد على الله. (الْمُتَوَكِّلِينَ) : الواثقين به. (١)
(فَإِذا عَزَمْتَ) ؛ أي : إذا قطعت الرأي على شيء بعد المشاورة. (٢)
[١٦٠] (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠))
(فَلا غالِبَ لَكُمْ) ؛ أي : فلا يقدر أحد على غلبتكم وإن كثر مناويكم. (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) : وإن يمنعكم معونته ويخلّ بينكم وبين أعدائكم لمعصيتكم إيّاه ، فمن ينصركم من بعد خذلان
__________________
(١) مجمع البيان ٢ / ٨٦٩.
(٢) الكشّاف ١ / ٤٣٢.