اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا. ويقوّيه قوله تعالى : (يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ)(١) و (أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ). (٢) وإنّما جمع السموات ووحّد الأرض لأنّ الأرض لتشاكلها تشبه الجنس الواحد الذي لا يجوز جمعه إلّا أن يراد الاختلاف ، وأمّا السموات فقد دبّر في كلّ سماء أمرها التدبير الذي هو حقّها. (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) : تعاقبهما. أو هو من باب اختلاف السواد والبياض. (وَالْفُلْكِ) : السفن. يقع على الواحد والجمع. والرياح أربع : الشمال والجنوب والصبا والدبور. والشمال عن يمين القبلة ، والجنوب عن يسارها ، والصبا من قبل المشرق ، والدبور من قبل المغرب. وسمّي الجنوب لاقحا والشمال حائلا. ولمّا أخبر الله الكفّار بأنّ إلههم إله واحد ، قال المشركون : ما الدلالة على ذلك؟ فأنزل الله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ الآية. (تَجْرِي) ؛ أي : تحمل الأحمال. (مِنَ السَّماءِ). أي ماء المطر. (وَبَثَّ) ؛ أي : فرّق في الأرض من جميع الحيوانات. (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) ؛ أي : تقليبها بأن جعل بعضها صباء وبعضها دبورا وبعضها جنوبا وبعضها شمالا. وقيل : تصريفها بأن جعل بعضها تأتي بالرحمة وبعضها بالعذاب. (الرِّياحِ). قرأ حمزة والكسائيّ : «الريح» على التوحيد. (وَالسَّحابِ). من السحب ، وهو الجرّ ، لانجراره في السماء. (لَآياتٍ) ؛ أي : حججا ودلالات. (يَعْقِلُونَ) ؛ أي : يستدلّون بتلك الآيات. (٣)
[١٦٥] (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ)
(أَنْداداً) من الأصنام. وقيل : من الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم. ولعلّ المراد ما هو أعمّ منهما وهو ما يشغله عن الله. (يُحِبُّونَهُمْ) ؛ أي : يسوّون بينهم وبين الله في المحبّة والطاعة. (أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ). لأنّه لا ينقطع محبّتهم لله بخلاف محبّة الأنداد ؛ فإنّها لأغراض فاسدة موهومة
__________________
(١) الروم (٣٠) / ٤٦.
(٢) الذاريات (٥١) / ٤١.
(٣) مجمع البيان ١ / ٤٤٧ ـ ٤٥٠.