من أهل الكوفة ، فما حاجتك؟ فقال لي : أتعرف أبا جعفر محمّد بن عليّ؟ قلت : نعم ، فما حاجتك إليه؟ قال : هيأت له أربعين مسألة أسأله عنها ، فما كان من حقّ أخذته ، وما كان من باطل تركته.
قال أبو حمزة : فقلت له : هل تعرف ما بين الحقّ والباطل؟ فقال : نعم. قلت : فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحقّ والباطل؟ فقال لي : يا أهل الكوفة ، أنتم قوم ما تطاقون ، إذا رأيت أبا جعفر فأخبرني ، فما انقطع كلامه (١) حتّى أقبل أبو جعفر عليهالسلام ، وحوله أهل خراسان وغيرهم ، يسألونه عن مناسك الحجّ ، فمضى حتّى جلس مجلسه ، وجلس الرجل قريبا منه. قال أبو حمزة : فجلست حيث أسمع الكلام ، وحوله عالم من الناس ، فلمّا قضى حوائجهم وانصرفوا ، التفت إلى الرجل ، فقال له : «من أنت؟» قال : أنا قتادة بن دعامة البصريّ ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : «أنت فقيه أهل البصرة؟» فقال : نعم.
فقال له أبو جعفر عليهالسلام : «ويحك يا قتادة ، إنّ الله عزوجل خلق خلقا من خلقه ، فجعلهم حججا على خلقه ، وهم أوتاد في أرضه ، قوّام بأمره ، نجباء (٢) في علمه ، اصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه».
قال : فسكت قتادة طويلا ، ثمّ قال : أصلحك الله ، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء ، وقدّام ابن عبّاس ، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : «ويحك ما تدري أين أنت؟ أنت بين يدي (بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) فأنت ثمّ ، ونحن أولئك». فقال له قتادة : صدقت والله ، جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين.
__________________
(١) في المصدر : كلامي معه.
(٢) النّجابة : النّباهة وظهور الفضل على المثل. «المعجم الوسيط ـ نجب ـ ٢ : ٩٠١».