القفال : ملك فهدى. وتأويله أنه خلق فسوى وملك ما خلق ، أي تصرف فيه كيف شاء وأراد ، وهذا هو الملك ، فهاداه لمنافعه ومصالحه ، ومنهم من قال : هما لغتان بمعنى واحد ، وعليه قوله تعالى : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (٢٣) [المرسلات : الآية ٢٣].
(الثالث) : أن قوله تعالى : (قَدَّرَ) [الأعلى : الآية ٣]. يتناول المخلوقات في ذواتها وصفاتها ، كل واحد على حسبة ، فقدر السماوات والأرض والكواكب والعناصر والمعادن والنبات والحيوان والإنسان بمقدار مخصوص من الجثة والعظم ، وقدر لكل واحد منها من البقاء مدة معلومة ، ومن الصفات والألوان والطعوم والروائح والأوضاع والحسن والقبح والسعادة والشقاوة والهداية والضلالة مقدارا معلوما كما قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢١) [الحجر : الآية ٢١]. وتفصيل هذه الآية الشريفة بخصوصها مما لا يفي شرحه مجلدات ؛ لأنه داخل فيها جميع الأشياء ، حتى العوالم كلها من أعلى عليين إلى أسفل السافلين داخلة في تفسير هذه الآية ، ولنرجع إلى تتمة تفسير الآية السابقة فنقول : أما قوله : (فَهَدَى) [البقرة : الآية ٢١٣]. فالمراد أن كل مزاج فهو مستعد لقوة خاصة ، وكل قوة فإنها لا تصلح إلا لفعل معين ، فالتسوية المفهومة من قوله : (فَسَوَّى) [الأعلى : الآية ٢]. والتقدير المفهوم من قوله : (قُدِرَ) [الطّلاق : الآية ٧]. قبل قوله : (فَهَدَى) [البقرة : الآية ٢١٣]. عبارة عن التصريف في الأجزاء الجسمانية وتركيبها على وجه خاص ؛ لأجل أن تستعد لقبول تلك ، وقوله : (فَهَدَى) [البقرة : الآية ٢١٣]. عبارة عن خلق تلك القوى في تلك الأجزاء الأعضاء والأجرام ، بحيث تكون كل قوة مصدرا لفعل معين ، فيحصل من مجموعهما تمام المصلحة.
ولنشرع الآن في ذكر ما قرره الجيولوجيون ، أي العلماء الذين بحثوا في الكتلة الأرضية ، وشاهدوا طبقات الأرض ، وعاينوا حقائقها وحقائق الأحجار الفحمية التي قصدنا بيانها ، كما أشرنا إلى ذلك في الخطبة فنقول :
«بيان الأحجار الفحمية»
وفيه مباحث :
(الأول) : اعلم أنه يتكون على سطح الأراضي الغازية يوميا في تجاويف منها وفي الأودية ذات الانحدار القليل ، وفي الأماكن المنخفضة ذات المستنقعات رسوبات من نباتات متى تحللت تحصل منها جسم قابل للاحتراق ، ولا تتكون هذه الرسوبات إلا في أحوال مخصوصة ، فلا تتكون في المياه الجارية ولا في البرك العميقة ولا في المحال التي يجف