من آخر لم يكن إلا في الشهر السابع أو الثامن وأن النمو الذي يحصل للطفل بالنظر لذلك كثير الاختلاف ، وأن التغيرات التي تحصل في بنية الرحم من وقت التلقيح تظهر فيها قوة مشابهة للقوة التي توجد في العضلات ، وأنه مع قلة العوارض لا تحصل الولادة إلا إذا وصلت هذه القوة لدرجة مناسبة ، حتى أن الرحم تنقبض بالقوة الشديدة القابلة لها ، فمن اللائق أن يختار أن اجتماع مثل هذه الشروط قد يحصل قبل تمام الشهر التاسع ، وأن العقل لا يرفض إمكان تعجل الميلاد ، وإن كان هناك أمور لا تزيل الشك في ذلك. والله أعلم بما هناك.
«المقالة الرابعة عشرة»
في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [الحجّ : الآية ٥]. وفيه مسائل :
«المسألة الأولى» :
اعلم أنه سبحانه وتعالى قال : (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) [الحجّ : الآية ٥]. أي مما وعدناكم من البعث ، فتذكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أن القادر على خلقكم أولا قادر على خلقكم ثانيا ، ثم إنه سبحانه ذكر من مراتب الخلقة الأولى أمورا سبعة ، وقد بسطنا الكلام عليها فيما تقدّم ولا بأس بإعادة ما يتعلق بها إجمالا فنقول : «المرتبة الأولى» قوله : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) [الحجّ : الآية ٥]. وفيه وجهان : (أحدهما) : إنا خلقنا أصلكم وهو آدم عليهالسلام من تراب ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : الآية ٥٩]. وقوله : (مِنْها خَلَقْناكُمْ) [طه : الآية ٥٥]. (والثاني) : إن خلقة الإنسان من المني وهو من الدم والدم من الأغذية والأغذية من تراب فصح قوله : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) [الحجّ : الآية ٥]. (المرتبة الثانية) : قوله : (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) [الكهف : الآية ٣٧]. والنطفة اسم للماء القليل أيّ ماء كان ، وهو هاهنا ماء الفحل ، فكأنه سبحانه يقول : أنا الذي قلبت ذلك التراب اليابس ماء لطيفا ، مع أنه لا مناسبة بينهما ألبتة. (المرتبة الثالثة) قوله : (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) [الحج : الآية ٥]. والعلقة دودة بسيطة كأنها جراب ، ولا شك أن بين الماء وبين العلقة مباينة شديدة. (المرتبة الرابعة) قوله : (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ). فالمضغة اللحمة ، والمخلقة المسواة المنبتة دوائرها يزداد النبات السالمة من النقصان والعيب ، يقال : خلق السواك والعود إذا سواه ، ثم للمفسرين فيه أقوال : (أحدها) : أن يكون المراد من تمت فيه أحوال ومن لم تتم