فيه وإتمام خلقه إنشاء له ، قالوا : وفي الآية دلالة على بطلان قول النظام
في أن الإنسان هو الروح لا البدن ، فإنه سبحانه بين أن الإنسان هو المركب من هذه
الصفات ، وفيها دلالة أيضا على بطلان قول الفلاسفة الذين يقولون : إن الإنسان شيء
لا ينقسم ، وإنه ليس بجسم.
(المسألة الثالثة) :
في قوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : الآية ١٤]. أي فتعالى الله ، والبركة يرجع معناها إلى الامتداد
والزيادة ، وكل ما زاد على الشيء فقد علاه ، فالله سبحانه وتعالى جعل تركيب
الإنسان أعلى من جميع تركيب المخلوقات ، ويجوز أن يكون المعنى من البركات والخيرات
، وكلها من الله تعالى ، وقيل : أصله من البروك. وهو الثبات فكأنه قال : والبقاء
والدوام والبركات كلها منه. فهو المستحق للتعظيم والثناء. وقوله : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : الآية ١٤]. أي أحسن المقدرين تقديرا فترك ذكر المميز لدلالة
لفظ الخالقين عليه.
(المسألة الرابعة) :
قالت المعتزلة
: لولا أن غير الله تعالى قد يكون خالقا لفعل إذا قدّره ، لما جاز القول بأنه أحسن
الخالقين ، كما لو لم يكن في عباده من يحكم ويرحم لم يجز أن يقال فيه أحكم
الحاكمين ، وأرحم الراحمين. فالجواب : أن الخلق في اللغة هو كل فعل وجد من فاعله
مقدرا لا على سهو وغفلة. والعباد كلهم لا يفعلون ذلك على هذا الوجه ، ولا يقدرون
عليه ، فبطل قولهم ولله الحمد. قال الكعبي : هذه الآية وإن دلت على أن العبد خالق
، إلّا أن اسم الخالق لا يطلق على العبد إلّا مع القيد ، كما أنه يجوز أن يقال :
رب الدار. ولا يجوز أن يقال : رب بلا إضافة ، والحاصل أن معنى الخلق هنا التقدير
فيكون المعنى أحسن المقدرين ، وذلك كما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ
صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا ...)
[الأعراف :
الآية ١١]. الآية. فمعنى قوله : (خَلَقْناكُمْ) [الأنعام : الآية ٩٤]. أي قدرنا وخلقكم ؛ إذ من البين أنهم لم يكونوا
موجودين إذ ذاك ، وبيان كونه تعالى أحسن المقدرين للخلق أنه تعالى قدر خلقه نطفة
ثم علقة ثم مضغة ثم قدر خلق المضغة عظاما ثم كسا العظام لحما ثم أنشأه خلقا آخر
كما قدّمنا لك تفصيله موضح الأقوال في مطابقة الأطوار للأحوال. فسبحان من انفرد
بذلك ، وهو الكبير المتعال.