التجويل خلقا ؛ لأنه سبحانه ينبت أطرافها كما ينبت النبات ، ويخلق أعراضا غيرها ؛ فسمي خلق الأعراض خلقا لها ، وكأنه سبحانه وتعالى يخلق فيها أجزاء زائدة ، وفيه بحث وهو أنه إذا امتلأت دائرة العلة الباطنة والظاهرة كانت مضغة ، فالجبهة تبعد عن العصعص ، والجزء الصدري يكون منفتحا من الأمام ، ويشاهد فيه القلب الذي قد تكون ضرباته مدركة لكن الدم الدائر في الأوعية لا يزال أبيض ، ثم إن الرأس لا يكون حينئذ إلا قدر ثلث الجسد تقريبا ، ويشاهد فيه أثر ارتسام العينين إلا الحنك فإنه يكون مختلطا بالحفر الأنفية ، ويتضح الحبيل السريّ فيكون طوله من أربعة خطوط إلى خمسة ، ويكون شكله على هيئة قمع ينحصر في قاعدته جزء من الأمعاء ، ويشاهد بين نقطة اندغامه ، وطرف العمود الفقاري المقوس إلى الأمام وإلا على درنة صغيرة على هيئة ذنب موشحة بفتحة ، أو جملة فتحات ، هي آثار الشرج وأعضاء التناسل ، وكل من الفتحتين الأذينتين تكونان على هيئة شقين وفي نحو الأسبوع العاشر يأخذ كل من الجفنين والشفتين والأذنين في التكوين ، وتصير جدران الصدر منسدّة والأطراف العليا أكثر وضوحا تعلن بحلمتين ، يأخذ كمال الأعضاء في الظهور على التدريج فحينئذ يخرج هذا الكائن الجديد عن طور المضغة.
(المرتبة الخامسة) :
في قوله عزوجل : (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) [المؤمنون : الآية ١٤]. أي صيرناها كذلك قرأ ابن عامر «عظما» والمراد منه الجمع كقوله تعالى : (وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : الآية ٢٢].
(المرتبة السادسة) :
في قوله تعالى : (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) [المؤمنون : الآية ١٤].
فالله تعالى جعل تكون العظام واللحم معا مرتبطين ببعضهما ما ينشئ تعالى جزئيات من العظم إلا ويكسوها تعالى جزئيات من اللحم ، ومع كون تعظم العظام التي تأخذ في الظهور من الأسبوع التاسع يكون مستمرّا ، وهنا نوضح بيان كيفية نمو الأعضاء وفيه مباحث :
«المبحث الأول في الرأس وأعضاء الحواس» :
يتكون الرأس في الابتداء على هيئة قضيب مستطيل ، ثم يكون نموه على حسب نمو الباقي ، ثم في الأسبوع الخامس يتميز الوجه من الجمجمة.