ضرورية لحصول هذه الوظيفة العجيبة ، ومما يحقق هذا الأمر نتيجة هذه الوظيفة التي تستدعي كسائر الوظائف كمال انتظام جميع الأعضاء ، وكمال الخواص الحيوية للأعضاء القائمة بها ، ومن حيث إنها مخالفة للأفعال الكمياوية والطبيعة فمن اللازم أن نعدّها القائمة من الوظائف العضوية الحيوية ، وقد بذل بعض المجرّبين غاية جهدهم في أن يقفوا على حقيقتها ، ومع ذلك فلم يحصلوا إلا كلاما ظنيا ، ولكن لا يمكننا أن نصرف النظر عن هذا الكلام الظني بالكلية ، بل لا بدّ من أن نتكلم باختصار على ما استغل به العلماء من الأقوال الظنية ، فنقول : (اعلم) أن آراءهم المختلفة ترجع إلى ثلاثة أقوال ، القول الأوّل أنهم قالوا : إن الجنين من حيث إنه يوجد قبل في بعض مبيض الإناث ، ويتكون فيه بفعل خاص لهذا العضو الذي تنفرز منه أصول الجنين ، فيكون ما في المبيض محتويا على جميع هذا الكائن الجديد غير أن هذا الكائن من حيث إنه لا يختص بحياة وحده فهو كبيض الدجاجة البكر الذي هو وإن كان محتويا على جميع أصول الفرخ إلا أنه لا يمكن أن يتفرّخ بنفسه ، فهذا الجنين لا يقبل الحياة إلا من مماسة مني الذكر له ، وبهذه الطريقة يمكن توضيح مشابهة الأطفال لآبائهم بسبب ما يحصل لهم من التنوعات الشديدة بمني الذكور الذي يختلط بالبذرة التي يكون قوامها حينئذ هلاميّا ، فتأثير هذا السيال في البذرة الرخوة كتأثير الخاتم في السمع اللين الذي يبقى حافظا لهذا الأثر ، فكما صرف الرجل أكثر قوته في الجماع كانت المشابهة له أكثر قربا ، ويمكننا أيضا أن نشرح انتقال الأمراض المورثة بهذه الكيفية ، ثم إن باطن العلقة بحسب الظاهر ناشئ من الأنثى بعكس ظاهرها فهو ناشئ من الذكر ، ففي تزوج حيوانين مختلفي النوع كفرس وحمار يكون الناتج منه وهو البغل مشابها للذكر من الظاهر والأنثى من الباطن ، القول الثاني : الطريقة القديمة التي قالوها في اختلاط المنين مني الرجل ومني الأنثى في الرحم ، وهي المشروحة في مؤلفات «أيبوقراط» و «جالينوس» وغيرهما ، وقد قال بها أيضا بعض المتأخرين وأهل هذه الطريقة يقولون : إن كل عضو من جسم الرجل يدفع جزئيات تسمى عضوية ، وهذه الجزئيات الناشئة من الأعين والآذان وغيرهما للرجل أو المرأة تصطف حول قالب باطن يتكون منه أساس البنية يأتي من الرجل ومن المرأة ، ولعل هذه الطريقة طريقة المشابهة للأبوين ، القول الثالث : طريقة البذريين وهي أحسن الطريق ، وفيها أقوال : الأول : المتقدّمون ، فاختاروا أن إحياء النطفتين يكون في الرحم ، وأن ذلك يحصل بواسطة عنصر عصبي في غاية اللطافة ، وبذلك قال «فيثاغورس» أو بامتزاج مغناطيسي وبالسائل المنوي للذكر. الثاني : القائلون بأن محل البذر هو المبيض ، فيقولون : إن الاجتماع لا يكون إلا في المبيض ، وهو رأي معظم المتأخرين الآن غير أنهم اختلفوا في حصول ذلك هل هو بامتصاص المادة المنوية بعد دخولها في المهبل وذهابها للمبيض من طريق دورة الدم؟ وهذا رأي بعضهم واختاره «روجيس» أو