الظن : إنه يصل إلى الرحم ، ثم يؤخذ منه بالبوقين اللذين هما قناتان متصلتان بالرحم والمبيضين ، وهما على هيئة البوقين يحصل لهما عند ذلك الانتصار فيوجهانه إلى المبيضين ومنهما إلى الرحم ، والظاهر أن الرأي الأخير هو الأقرب إلى الحق ؛ فإنه قد علم أن العلوق لا يتم إلا في المبيضين كما يتضح هذا من الحمل خارج الرحم ، ومن المعلوم المجفف أن المني يندفع إلى الرحم ، ولا بدّ أن طرف القضيب في حال الجماع يكون واصلا إلى وسط فوهة الرحم ولا فائدة لذلك إلا دخول السائل المنوي الخارج من الرجل إلى تجويف الرحم على أنه قد وجد السائل المنوي في الرحم كثيرا ، وقد تحقق من التجاريب المعقولة للعلوق الصناعي أن النسيم المنوي المفروض لا يكفي وحده في حصول العلوق ، بل لا بد من أن يصادم المني بنفسه المبيضين ، ولا سبيل حينئذ لوصوله إليهما إلا البوقان ، ودليل قرب هذا الرأي للحق أيضا أنه شوهد في الحيوانات التي فتحت عقب النزوان صيوان البوق تلامس للمبيضين ، وشوهد أيضا وقوف البذرة في هاتين القناتين أي البوقين ، وينبغي الآن أن نبحث عما يحصل من المني ، ومن المادة الناشئة من المرأة في العلوق ، فإنه بمعرفة هذا الأمر يطلع على هذا السر الخفي ، فنقول : (اعلم) أن المبيضين في المرأة بمنزلة الخصيتين في الرجل ، فإن باستئصالها يحصل العقم كما يحصل من استئصال الخصيتين ، ولأنهما في سن البلوغ ينموان نموا ظاهرا فيصير ثقلهما الذي كان يعادل عشر قمحات معادلا في هذا السن لدرهمين ، وفي هذا السن أيضا يشاهد في سطحهما حوصلات صغيرة لم تكن موجودة فيهما قبل ، وقد اعتبر معظم العلماء هذه الحوصلات منشأ للبذرة ، ثم تذبل وتزول في سن اليأس (واعلم) أن معظم المجرّبين قد وجدوا في الحيوانات التي ذبحت بعد العلوق وزمن قليل حبة من الحبوب الصغيرة المكونة للمبيضين قد تبين فيها بقعة صغيرة منها تنشأ الأوعية والأعصاب ، ويزيد حجمها كلما زاد حجم هذه البذرة ، ثم تنفصل وتدخل في قناة معدّة لها في بعض الحيوانات ، وفي أحد البوقين في النساء ، ثم تنتقل منها إلى الرحم ، أو ما يقوم مقامه فإذا يمكن أن يقال إنه لا فرق بين جميع الحيوانات في هذه الوظيفة إلا من حيث إن في بعضها تتفرّخ هذه البذرة في الخارج بعد أن تباض منها ، وفي بعضها تتفرّخ في الباطن بعد أن تستودع في مخزن معدّ لها ، فمن الاختلاف المذكور لهذه الوظيفة تنقسم الحيوانات على فرقتين عظيمتين حيوانات تتوالد بالبيض ، حيوانات تلد موجودات حية ، فعلى مقتضى ما تقدّم يكون من المحقق كون المرأة تنشأ منها هذه البذرة المنفصلة من المبيض التي يبقى في محلها أثر يشاهد بعد سقوطها في الرحم ، وينبغي لنا الآن أن نتكلم على تأثير المني في وظيفة التوالد مدّة سقوطه في المبيض أو في الرحم ، فنقول : الفعل العضويّ لهذه الوظيفة ليس إلا جزئيا ، ولذلك عجزت حواسنا عن مشاهدته ، ولم نعرف من ذلك إلا أن ملامسة المني للمبيض