الخلقة وأدوار الفطر صارت منيا ، وهذا التأويل مطابق للفظ ولا يحتاج إلى التكلف.
(المرتبة الثانية):
في قوله تعالى : (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ،) وفيه مباحث] قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) (١٣) [المؤمنون : الآية ١٣]. ومعنى جعل الإنسان نطفة أنه خلق جوهر الإنسان أولا طينا ، ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة في أصلاب الآباء أي خلق سبحانه وتعالى الحوصلتين المنويتين ووضعهما في الصلب خلف عنق المثانة ، وجعلهما مخزنا للمني إلى وقت الحاجة وفيه مباحث :
(الأول في الجماع):
قد أوجد الله سبحانه وتعالى وظائف حفظ النوع على ما ينبغي ، كما أوجد وظائف حفظ الشخص كذلك فلم يجعلها كبعض الوظائف متمحضة ؛ لأن تكون تحت سلطان الإرادة فقط وفاء بمرام احتياج التوالد ؛ إذ لو كان كذلك لحصل اختلال كثير في تكاثر النوع ، بل جعل سبحانه وتعالى فينا ميلا غريزيا وأحباسا باطنيا وجدانيا مجلسة في أعضاء التناسل فهو في هذه الأعضاء بمنزلة الحس الباطن الذي للمعدة وهو الجوع ، وهذا الميل في الحقيقة منوط بأعضاء التناسل فلا يوجد إذا لم تكن هذه الأعضاء قادرة على فعل وظائفها ، ولا يحس به أصلا إذا فعل الخصاء في سن الصبا ، وأما أسباب هذا الحس الباطن فلا يمكن إدراكها كالحس بالجوع وغيره ، وقد ذكروا أن من أسبابه وجود المني ومكثه في الحوصلات المنوية ولا ريب في أن هذا الأمر سبب معين على ذلك من حيث إن تطلب الجماع يقوى إذا ترك فعله زمنا طويلا ؛ إذ في هذا الزمن تكون المادّة المنقذفة كثيرة جدّا لكن ليس هذا سببا فريدا من حيث إن المنهمكين فيه لهم ميل عظيم للجماع بخلاف الرجال الأقوياء ذوي العفة فإن هذا الميل يكون فيهم قليلا ، وهذا الحس يوجد أيضا في النساء ، لكن لا يوجد فيهم إفراز منوي ، وكل من المخ والمخيخ في الحقيقة له دخل في مبادئ هذه الوظيفة ، وتأثير المخيلة في هذا الأمر أوضح برهان على ذلك ، ويوجد سوى ما ذكر في كل من هذين العضوين الأخيرين ميل له دخل في تولد هذا الأمر ، وفعل الرجال في حال الجماع أن يدخل الرجل في أعضاء تناسل المرأة العضو المعد لقذف السائل العلوقي في أعني الإحليل وأن يقذفوا هذا السائل في مدّة دخول هذا العضو ، لكن لأجل حصول هذا القصد المزدوج ينبغي أن يكون الإحليل مكتسبا بسبب ما يظهر فيه مما يسمى بالانتصاب يبسا كافيا لإدخاله وهذه الظاهر تحصل للرجل إذا كان مشتاقا للجماع بسبب هذا الحس الباطن فيندفع للإحليل مقدار عظيم من الدم بواسطة الشرايين المتوزعة في جسميه المجوفين ، ثم يحتقن هذا الدم في الأوعية فعند ذلك يحصل احتقان