وفي الآية مسائل :
(المسألة الأولى) :
إن في هذه الآية دليلا على قدرة الله تعالى ، وبيان أنواع من نعمائه ؛ وذلك من حيث إن البحرين يستويان في الصورة ويختلفان في الماء فإن أحدهما عذب فرات والآخر ملح أجاج ، ولو كان ذلك بإيجاب لما اختلف المتساويان ، ثم إنهما بعد اختلافهما يوجد منهما أمور متشابهة ، فإن اللحم الطري يوجد فيهما بأنواع مختلفة على ما سيأتي ، والحلية تؤخذ منهما ومن يوجد في المتشابهين اختلافا ، ومن المختلفين اشتباها لا يكون إلا قادرا مختارا ، وقوله : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) [فاطر : الآية ١٢]. إشارة إلى أن عدم استوائهما دليل على كمال قدرته ونفوذ إرادته.
(المسألة الثانية) :
قال أهل اللغة : لا يقال في ماء البحر مالح ويؤاخذ قائله به. وهو أصح مما يذهب إليه القوم ؛ وذلك لأن الماء العذب إذا ألقي فيه ملح لا يقال له إلا مالح وما ملح يقال للماء الذي صار من أصل خلقته كذلك ؛ لأن للمالح شيء فيه ملح ظاهر في الذوق بخلاف ما هو من أصل خلقته فلما قال الفقيه : الملح أجزاء أرضية سبخة يصير بها ماء البحر مالحا داعي فيه الأصل فإنه جعله ماء جاوره ملح وأهل اللغة حيث قالوا في البحر ماؤه ملح جعلوه كذلك.
(وقوله : ومن كل). أي كل واحد من البحرين العذب والملح. (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) [فاطر : الآية ١٢]. أي من السمك. (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) [فاطر : الآية ١٢]. أي من اللؤلؤ والمرجان. (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) [فاطر : الآية ١٢]. أي ماخرات تمخر البحر بالجريان ، أي تشقه ، وقوله : (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النّحل : الآية ١٤]. فيه إشارة إلى أداء حق الشكر الواجب علينا لله تعالى على هذه النعم ، ولقد قال تعالى في كتابه الكريم : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم : الآية ٧]. فإذا علمت هذا فاعلم أن الأسماك أقسام شتى ، وأن اللؤلؤ والمرجان نوع منها ، ولنبين لك حقيقة كل منها موضحا مفصلا فنقول أولا :
(المسألة الثالثة) :
إن الأسماك لا تعيش إلا في الماء ، ولذلك تموت إذا خرجت منه ، وجسمها منتظم وشكلها مختلف ، فمنها ما يكون مضغوطا من الجانبين ، ومنها ما يكون مضغوطا من أعلى