بعكس ذلك ، وقد تكون محتوية على مقدار مناسب من أملاح جيرية وغيرها أو على مواد آلية فاسدة ولك كماء الآبار والماء الراكد وماء البحر (واعلم) أن مياه الأنهار الكبيرة التي تقطع مسافة طويلة جدا حال سيرها ، وهي المشهورة بكونها خفيفة على المعدة ، لكونها تذيب مقدارا عظيما من الهواء ، وهي سائرة أحد المياه الجيدة ، وأما القسم الثالث : فهو الهواء الجوي الممزوج ببخار الماء على الدوام ، وهذا البخار تارة لا يكون مرئيا ، وتارة يتكائف على هيئة كرات دقيقة متراكمة فوق بعضها ويكون مرئيا ويتكون منه الضباب والسحب.
(البحث الثاني) :
اعلم أن الماء الساقط على وجه الأرض على قسمين : قسم منه يسيل على سطح الأرض أو ينبجس من جوانبها على هيئة ينبوع أو نهيرات أو نهر وحيث إنه لا يصل الا إلى عمق قليل من طبقات الأرض لا يكون محتويا على شيء وهو العذب ، وقسم منه يجتمع في بعض المواضع فيغوص في أعماق عظيمة جدا ، ثم ينبجس على هيئة ينابيع حارة مشحونة بجواهر معدنية ، ومن المعلوم أن الطبقات التي تمر فيها المياه مختلفة الطبيعة والعمق الذي اتصلت إليه مختلف أيضا ، ولذا كان تركيبها مختلفا ودرجة حرارتها مختلفة ، كذلك وهي متوزعة في أعماق الأرض متنوعة ، فمنها ينابيع وعيون وآبار ونهيرات وأنهار ، وكل منها تكون درجة حرارته كدرجة حرارة البلد الذي يوجد فيه ، وهناك ينابيع أخرى مياهها مشحونة بمواد لا توجد في الأراضي التي انبجست منها ، وتكون درجة حرارتها مختلفة الارتفاع ، وهي الينابيع المعدنية والينابيع الحارة ، وهي ناشئة عن إتيانها من أغوار مختلفة ، ومن المعلوم أن المياه في هذه الأغوار تكون حرارتها مرتفعة ارتفاعا كثيرا أو قليلا ، والمياه المعدنية تختلف عن بعضها بطبيعة الاصول الموجودة فيه ، وهي كثيرة الانتشار وشهيرة ببعض استعمالات طبية ، والمياه الحارة كثيرة الانتشار أيضا ومشهورة أيضا ببعض استعمالات طبية ، فإذا علمت هذا ظهر لك أن الله سبحانه وتعالى قد بين لنا كيفية المياه العذبة والمالحة ، وظهر لك بيان أنواعها وأقسامها أيضا ، والسبب في ظهورها في حالة الحلاوة وفي حالة الملوحة ، وبيان ما يخرج من قاع الأرض ، وسبب اختلافه وتنوعه إلى أنواع متنوعة ، وبيان ما يخرج من ظاهرها أي أقرب طبقة إلينا منها ، والسبب في نقاوته وصفائه وحلاوته ، وكل ذلك دليل عظم قدرته وحكمته ، وكونه مدبرا حكيما ، وقد جمع تعالى بين القسمين في الآية فقوله : (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) [الفرقان : الآية ٥٣]. بيان للحلو وقوله : (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) [الفرقان : الآية ٥٣]. بيان للمالح وقوله : (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) [الفرقان : الآية ٥٣]. أي حاجزا يمنع اختلاط أحدهما بالآخر كيلا تبطل منافعهما ؛ لأجل مصالح العالم وإتمام نظام الكون ، وكل ذلك دليل على أنه هو