خلق الله على وجه الأرض لما فيهم من البيان والنطق والتدبير واستخراج العلوم وفيهم الأنبياء عليهمالسلام والدعاة إلى الله تعالى والأنصار لدينه وكل ما في الأرض مخلوق لهم أي لأجلهم ، وأمر الملائكة عليهمالسلام بالسجود لآدم عليهالسلام وعلمه الأسماء كلها قال تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : الآية ٣١] وقد قال الله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) [الإسراء : الآية ٧٠]. فيكون القسم بجميع الآدميين صالحهم وطالحهم لم ذكرنا من ظهور العجائب في هذه البنية والتركيب ، وقيل : هو قسم آدم والصالحين من أولاده بناء على أن الطالحين كأنهم ليسوا من أولاده وكأنهم بهائم كما قال : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الفرقان : الآية ٤٤]. وقال : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (١٨) [البقرة : الآية ١٨]. (وثانيها) : أن الوالد إبراهيم وإسماعيل وما ولد محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ وذلك لأنه أقسم بمكة وإبراهيم بانيها وإسماعيل ومحمد عليهمالسلام سكانها ، وفائدة التنكير الإبهام المشعر بالمدح والتعجب ، وإنما قال : وما ولد. ولم يقل : ومن ولد. للفائدة الموجودة في قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) [آل عمران : الآية ٣٦]. أي بأيّ شيء وضعت يعني موضوعا عجيب الشأن.
(وثالثها) : الوالد إبراهيم وما ولد جميع ولد إبراهيم بحيث يحتمل العجم والعرب فإن جملة ولد إبراهيم هم سكان البقاع الفاضلة من أرض الشام ومصر وبيت المقدس وأرض العرب ومنهم الروم ؛ لأنهم ولد العيص بن إسحاق عليهالسلام ومنهم من خص ذلك بولد إبراهيم من العرب ومنهم من خصه بالعرب المسلمين ، وإنما قلنا : إن هذا القسم واقع بولد إبراهيم المؤمنين ؛ لأنه قد شرع في التشهد أن يقال كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وهم المؤمنون.
(ورابعها) : عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : الوالد الذي يلد ، وما ولد الذي لا يلد ، فما هاهنا يكون للنفي ، وعلى هذا لا بد من إضمار الموصول أي ووالد والذي ما ولد ، ولذلك لا يجوز عند البصريين.
(وخامسها) : يعني كل ولد ومولود ، وهذا مناسب ؛ لأن حرمة الخلق كلهم داخلة في هذا الكلام.
وأما قوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (٤) [البلد : الآية ٤]. ففيه وجوه :
(أحدها) : قال صاحب الكشاف : إن الكبد أصله من قولك كبد الرجل كبدا فهو أكبد إذا وجعت كبده وانتفخت فاتسع فيه حتى استعمل في كل تعب ومشقة ، ومنه اشتقت المكابدة كما قيل كبته بمعنى أهلكه ، وأصله كبده إذا أصاب كبده ، وقال آخرون : الكبد شدة الأمر