(المبحث الاول) :
إن قوله : (وَأَنْهاراً) [الرّعد : الآية ٣]. معطوف على قوله. (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) [النّحل : الآية ١٥]. والتقدير وألقى رواسي وأنهارا وخلق الأنهار لا يبعد أن يسمى بالإلقاء فيقال ألقى الله في الأرض أنهارا كما ألقى فيها رواسي والإلقاء معناه الجعل ألا ترى أنه تعالى قال آية أخرى : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها) [فصّلت : الآية ١٠]. والإلقاء يقارب الإنزال ؛ لأن الإلقاء يدل على طرح الشيء من الأعلى إلى الأسفل ، إلا أن المراد من هذا الإلقاء الجعل قال تعالى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) [طه : الآية ٣٩].
(المبحث الثاني) :
إنه ثبت في العلوم العقلية أن أكثر الأنهار إنما تنفجر منابعها في الجبال ، فلهذا السبب لما ذكر الله تعالى الجبال أتبع ذكرها بتفجير العيون والأنهار وربما عسر تعريف الينابيع والجداول والسيول والنهيرات والأنهار وبتعريف مختصر ، وفي بيانها أمور :
(الأمر الأول) : الجداول هي التي تتكون مياهها من مياه الينابيع ، أو المياه الذائبة من أراضي الثلج والجليد أو التي تأتي من السيول ، ويكون حجمها صغيرا ، وجريانها متوسط السعة قليل الانحدار.
(الثاني السيول) : هذه لها ثلاث صفات. الأولى : أن تكون سعة جريانها صغيرة ، ومع ذلك تكون سريعة دائما مع خرير أو بدونه. الصفة الثانية : أن تحصل فيها زيادة فجائية فيحل كلها بغتة تيارات هينة يعقبها في الغالب حفاف كلي ، الصفة الثالثة : أن يحصل فيها اتساع غريب بوصولها إلى السهول فيتكون فيها مقدار كبير من التراب والحجارة.
(الثالث النهيرات والأنهار) : فيتكونان من الينابيع والجداول والسيول تنضم كلها في منخفض واحد أو في واد كبير ، ثم تجري مياهها المختلطة في قناة واحدة تسمى نهيرات إذا كانت الجريات المائية منتظمة دائمة عظيمة الحجم ، ثم إن بركة النهير توصل غالبا إلى بركة أوسع منه تصب فيه أيضا نهيرات آخر فيتولد منها ما يسمى بالنهر حقيقة فهو جريات كبيرة مكونة من اجتماع نهيرات كثيرة ، وتصب مياهه الكثيرة في البحر بمصب.
(الرابع البحيرات) : سمي بذلك أجران مائية كبيرة غير جارية تنضم مع بعضها في برك منعزلة في وسط الأرض : وعمقها العظيم يكون في وسطها ، وهذه البحيرات المائية يحصل فيها تحرك واضطراب من أسباب مختلفة ، والمستنقعات لا تختلف عن البحيرات إلا بكونها