شقوق عظيمة طولها عدة فراسخ وأميال ، وهذه الشقوق لا تبقى دائما فأحيانا تنطبق بغتة بعد حصول الزلزلة فتطحن جدرها المنازل التي ابتلعتها وتغير استواء سطح الأرض الناشئ عن ارتفاع وانخفاض مسافة مختلفة الاتساع أحد النتائج العامة لزلزلة الأرض ، ففي سنة (١٨١٩) حصل في بلاد الهند ارتفاع أكمة طولها ستون ميلا وعرضها ثمانية عشر ميلا ، وانخفض ما حولها من أرض البلدة ، وأخذ معه قرى أخرى ، وما حصل في بلاد الهند في اتساع من الأرض يحصل في كل زلزلة في اتساع قليل منها فينفتح سطحها الأصلي ويتغير سير الأنهار ، ويكون نتيجة ذلك وكثيرا ما يرى انقذاف طفحات من مواد مختلفة من الشقوق التي انفتحت في الأرض ، وكثيرا ما تكون ممتزجة بالرمل ، وقد يخرج منها رمل جاف يخلفه في الأرض فتحات صغيرة مستديرة ، ويعسر تمييز تصاعد الغازات على سطح الأرض ؛ لأنها تتوزع في الهواء الجوي وتنتشر انتشارا لا يتضح إلا إذا تكون تحت طبقة من الماء فقد شوهد غليان في البحر مدة الزلزلة وتفجرت فقاقع غازية عظيمة على سطحه ، ثم إن ما ذكر في شأن زلزلة الأرض في جميع البلاد ، وكتب في جرائد أخبار جميع الأمم يتضح منه ما قلناه ، فقد ذكر فيها انشقاق الأرض ، وتكون هوات عظيمة فجأة ابتلعت الأجزاء الموجودة على سطح الأرض : كالمنازل ومن جملة ما في هذه الجرائد أن هذه الشقوق كثيرا ما خرج منها كتل عظيمة من ماء سائل وأبخرة مائية ، وخرج منها في بعض الأحيان لهب من غازات قابلة للاحتراق وارتفعت في بعض الأحيان أكام في وسط سهول ، وتارة حصل ارتفاع في قاع البحر ، وتارة انهدمت جبال وخلفتها برك ، وتارة غاصت نهيرات في مجار تحت الأرض تكونت دفعة واحدة ، وتارة جفت البرك وتارة انبجست ينابيع في محال جافة جدا منها ماء حار جدا بالجملة ، فنتائج زلزلة الأرض المختلفة تشهد بصدق الظواهر المذكورة قبل تكون الجبال من الميد ؛ لأن الجبال أوتاد الأرض من كثرة تكون المواد من أمواج البحر الباطن ، وذكر في كتب المتقدمين عن بلناس أن جزيرة صقلية انفصلت عن إيطاليا بزلزلة مهولة ، وذكر أيضا أن جزيرة قبرص انفصلت عن الشام ، وما ذاك إلا للسبب المتقدم فما يحصل الآن بين أيدينا يوضح ما حصل في سالف الأزمان.
(في بيان قوله تعالى :
(وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)))
قوله : (وَأَنْهاراً وَسُبُلاً) [النّحل : الآية ١٥]. فمن النعم التي أظهرها الله تعالى على وجه الأرض أنه تعالى أجرى الأنهار ، ووضع البحيرات والبرك على وجه الأرض واعلم أنه حصل هاهنا بحثان.