مضغوطة بعد غور ستة وثلاثين ميلا ، فحينئذ نتصور القشرة الأرضية عبارة عن
غلاف صلب محيط بكتلة عظيمة من نار مضطرمة ، وهذه القشرة الرقيقة لا بد أن يقع
عليها تأثيرات مختلفة من الحركات الاضطرامية لكتلة السائلة المحيط هو بها ، وقالوا
أيضا : إن الجذب القمري والشمس الذي يقتضي مد البحار وجزرها على سطح كرة الأرض
يؤثر أيضا في المادة السائلة الكامنة في أغوار الأرض فنسبوا زلزلتها إلى جذب القمر
، وقالوا : إنها نتيجة مد وجزر الكتلة السائلة الباطنية الموجودة في القشرة
الأرضية ، فإذا صدمت الأمواج المضطرمة سطح القشرة الأرضية الباطنية اضطرب جزء من
سطحها مختلف الاتساع ، فإذا كان الضغط الحاصل من الكتلة السائلة ذا قوة كافية في
تمزيق القشرة الأرضية وإحداث اتصال بين ظاهر الأرض وباطنها انقذفت أمواج الكتلة
السائلة الباطنية إلى الخارج فتكون بركان ، وإذا دام هذا الاتصال العارضي بين باطن
الأرض وظاهرها وكانت الطفحات البركانية مستمرة كما في بركان استرومسبولي أو منفصلة
عن بعضها ببعض أعوام كما في الوازوف والأنتا سمي البركان وهاجا فإذا انسد هذا
الاتصال سمي البركان منطفئا ، والبراكين المنطفئة كثيرة على سطح الأرض
واسترومسبولي أحد جزائر ليباري التي في بحر الروم على الجهة الشمالية الشرقية من
جزيرة صقلية ووجود الطفحات البركانية في البلاد التي توجد فيها كالتراشيت والبازلت
، وبقاء الفوهات العتيقة الشبيهة فوهاتها بفوها البراكين الحالية يحققان عند من
اشتغل بعلم الأرض وجود براكين منطفئة في تلك البلاد.
(المبحث الخامس في الكلام على الظواهر البركانية والبراكين وارتفاع الجبال):
اعلم أن
الظواهر البركانية لها ارتباط عظيم بزلزلة الأرض ، وهي نتائجها الأخيرة فمتى انشقت
القشرة الأرضية حصل اتصال بين باطن الأرض وظاهرها ، فتتصاعد أمور مختلفة من باطن
الأرض كالغازات والمياه الحارة والباردة العذبة أو المالحة أو الكبريتية ، وقد
تكون مشحونه بالوحل ، وقد تحصل فرقعة قوية وتنقذف حجارة أو أتربة إلى بعد عظيم ،
والغالب أن تكون الطفحات البركانية مكونة من حجر الخفاف ، أو من مواد ملتهبة ذائبة
فتارة تنقذف إلى بعد ، وتارة تسيل على جوانب البركان ، وتارة تتراكم في ارتفاعات
مختلفة.
(المبحث السادس في الذوبان):
قد ذكرنا أن
الأرض كانت سائلة أي في حالة سيلان ناري تام ، وأن سطحها هو الذي تجمد بمرور
الزمان بتبريده في الفراغ ، وهذا التبريد كان في ابتداء الأمر سريعا جدا ، ثم صار
يبطئ بتناقص درجة حرارة سطح الأرض ، وقد صار الآن قليلا جدا مهما كانت شدة الحرارة