وهي كافية لإذابة جميع الجواهر ، وعلى مقتضى ما ذكرناه لو أمكن حفر آبار إلى الغور المذكور ووجد ماء في هذا الغور لأمكن أن يستخرج من باطن الأرض أنهار من ماء مغلي يتحصل به على القوة الميكانيكية لبخار الماء الذي هو أعظم المحركات وأقوى أساسات الفنون والصنائع ، ويستفاد مما ذكرناه أن الأرض كانت قديما سائلة ولم يزل باطنها سائلا مضطرما إلى الآن وأن سطحها هو الذي تصلب فقط لما فقد حرارته الأصلية في الفراغ في غور مقداره من ستة وعشرين ذراعا وثلثي ذراع إلى أربعين ، وهذه القشرة الصلبة قليلة جدا بالنسبة لنصف قطر الأرض ويكون ثخنها على كرة صناعية شعاعها ذراع وثلث بالمتر متر واحد من ثلاث إلى ستة ميلمترات ولا تصل إلى ثخن ورقة في الكرات المعتادة إذا علمت ذلك ظهر لك سبب الظاهرتين المهولتين وهما زلزلة الأرض والبراكين.
(في ينبوع الحرارة المركزية)
قال علماء هذا الفن : إن الأرض كانت في ابتداء أمرها ملتهبة في الفراغ فبرد سطحها فتغطت بطبقة صلبة أولية كما يتغطى الرصاص الذائب على النار بقشرة معدنية رقيقة أولا ، ثم يأخذ في الثخن شيئا فشيئا مع أن باطنه ذائب فكذلك طبقة الكرة الأرضية ازداد ثخنها من الباطن بالتبريد ، وكل من السباكين والحدادين وصناع الكال وصناع الزجاج يعرف أن الكتل الكبيرة يستدعي بردها زمنا طويلا ، ويتصور الزمن الذي مضى قبل أن تتجمد القشرة الأولى من الكرة الأرضية لا تتعجبوا من أن تبريد الأرض لم يتم إلى الآن وأنه مستمر بلا انقطاع وإن الجزء الباطني من الأرض ملتهب ، وأنه لم يتجمد منها إلا طبقة قليلة الثخن بالنسبة لما هو ملتهب منها الآن ، وربما قررناه يعلم علة كون باطن الأرض حار أو كون الحرارة تزداد كلما ازداد القرب من مركز الأرض الذي ما زال ملتهبا إلى الآن وأما كون الحرارة واحدة في الأعماق عينها ولا ينقص نقصانا محسوسا فسببه أن التبريد الذي يحصل في عشر سنوات أو في مائة يتوزع على كتلة الأرض العظيمة ، فلا يكون محسوسا في كل مكان ، وبما قررناه يعلم السبب في الارتفاعات الأرضية أي تكون الجبال الآتي على الأثر.
(في بيان قوله تعالى :
(وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النّحل : الآية ١٥])
(قوله : أن تميد). أي كرها أن تتحرك وتضطرب بهم لبساطتها والميد الزلزال ، فخلق الله تعالى عليها الجبال فرست واستقرت ، وذلك أن الأرض قبل تكون الجبال كانت مغطاة بالمياه لبساطتها ، وكانت دائما تميد وترتعش كالمحموم ، فلما خلق الله الجبال شيئا فشيئا قل