وموجدا ومحدثا لكل ما سواه ، ومع كونه كذلك فهو رب محسن ومتفضل ، وهذا آخر الكلام في شرح وتفسير هذه الآية ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(في بيان قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣)) [يونس : الآية ٣]).
(وفي الآية مسائل) :
(الأولى) : أن الدليل الدال على وجود الصانع تعالى ، إما الإمكان وإما الحدوث وكلاهما إما في الذوات وإما في الصفات ، فيكون مجموع الطرق الدالة على وجود الصانع أربعة وهي إمكان الذوات ، وإمكان الصفات ، وحدوث الذوات وحدوث الصفات وهذه الأربعة معتبرة تارة في العالم العلوي ، وهو عالم السماوات والكواكب ، وتارة في العالم السفلي ، والغالب من الدلائل المذكورة في الكتب الإلهية التمسك بإمكان الصفات وحدوثها تارة في أحوال العالم العلوي وتارة أحوال العالم السفلي ، والمذكور في هذا الموضع هو التمسك بإمكان الأجرام العلوية في مقاديرها ، وصفاتها ، وتقريره من وجوه :
(الأول) : أن أجرام الأفلاك لا شك أنها مركبة من الأجزاء التي لا تتجزأ ومتى كان الأمر كذلك كانت لا محالة محتاجة إلى الخالق والمقدر ، أما بيان المقام الأول فهو أن أجرام الأفلاك لا شك أنها قابلة للقسمة الوهمية وقد دللنا في الكتب العقلية على أن كل ما كان قابلا للقسمة الوهمية ، فإنه يكون في نفسه مركبا من الأجزاء والأبعاض ، فثبت بما ذكرنا أن أجرام الأفلاك مركبة من الأجزاء التي لا تتجزأ ، وإذا ثبت هذا وجب افتقارها إلى خالق ومدبر ، وذلك لأنها لما تركبت فقد وقع بعض تلك الأجزاء في داخل ذلك الجرم وبعضها حصل على سطحها ، وتلك الأجزاء متساوية في الطبع والماهية وأجزاء أخر مختلفة الطبع والماهية وقعت داخل الجرم وعلى سطحه ، وإذا ثبت هذا فنقول : حصول بعضها في الداخل ، وبعضها في الخارج أمر ممكن الحصول جائز الثبوت ، يجوز أن ينقلب الظاهر باطنا والباطن ظاهرا ، وإذا كان الأمر كذلك وجب افتقار هذه الأجزاء حال تركيبها إلى مدبر وقاهر يخصص بعضها بالداخل وبعضها بالخارج فدل هذا على أن الأفلاك مفتقرة في تركيبها وأشكالها وصفاتها إلى مدبر قديم.
(الوجه الثاني) : في الاستدلال بصفات الأفلاك على وجود الإله القادر أن تقول حركات هذه الأفلاك لها بداية ومتى كان الأمر كذلك افتقرت هذه الأفلاك في حركاتها إلى محرك