«المبحث الثاني» :
الفرق بين المستقر والمستودع أن المستقر أقرب إلى الثبات من المستودع ، فالشيء الذي حصل في موضع ولا يكون على شرف الزوال يسمى : مستقرا فيه ، وأما إذا حصل فيه وكان على شرف الزوال يسمى : مستودعا ؛ لأن المستودع في معرض أن يستردّ في كل حين وأوان. إذا عرفت هذا فنقول : كثر اختلاف المفسرين في تفسير هذين اللفظين. فعلى قول وهو المنقول عن ابن عباس في أكثر الروايات أن المستقر : الأرحام ، والمستودع الأصلاب وقال كريب : كتب جرير إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ يسأل عن هذه الآية فأجاب : المستودع الصلب ، والمستقر الرحم : ثم قرأ : (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) [الحجّ : الآية ٥]. ومما يدل أيضا على قوة هذا القول إن النطفة الواحدة لا تبقى في صلب الأب زمانا طويلا ، والجنين يبقى في رحم الأم زمانا طويلا ، ولما كان المكث في الرحم أكثر مما في صلب الأب ، كان حمل الاستقرار على المكث في الرحم أولى.
«المبحث الثالث في الأعضاء التي يستودع فيها المني في الذكور»
اعلم أن الأعضاء التي يستودع فيها المني هي الخصيتان والحبيلان المنويان والحوصلتان المنويتان والقناتان القاذفتان للمني ، أما الخصيتان وهما اثنتان إحداهما يمنى والأخرى يسرى ، فوضعهما في الكيسين شكلهما بيضي تأليفهما من غشاء ليفي ونسيج خاص وأوعية دموية ولينفاوية :
أما الغشاء الليفي : فشبيه بالصلبة متين قوي يضم الخصية ويبعث زوائد خيطية إلى باطن الخصية ثم يتجه جميعها نحو الجانب العلوي للخصية ، ويتكون من الغشاء المذكور تجويف صغير في هذا الجانب يسمى جيب الأوعية الآتية بالمني.
وأما النسيج الخاص للخصية فهو رخو لبابي لونه يميل للصفرة مركب من خيوط متضاعفة رقيقة جدّا تنضم وتنقسم إلى فروع ثم جذوع وتتضفر. وهذه الأوعية تسمى بالأوعية الآتية بالمني ، يتجه جميعها إلى الجيب يمكن حقنها ، وعدة هذه الجذوع من عشرة إلى اثني عشر وقد تكون عشرين ، وباجتماعها مع بعضها يتكون منها في رأس الخصية البربخ ، وينشأ منها القناة الناقلة للمني.
وأما الحبيل المنوي فكون من اجتماع الشريان والوريد والأوعية الينفاوية والقناة الناقلة للمني وجميع ذلك ينضم مع بعضه بواسطة نسيج خلوي ، وهذا الحبيل يصعد صعودا يقرب للعمودية من الحافة العليا للخصية إلى ارتفاق العانة ، ومن هناك يدخل في البطن نافذا من