الأمر الثاني الذي هو الكلام وقال : إنه تعالى أمر هذه الأجرام بالسير الدائم والحركة المستمرة.
(المسألة الرابعة):
إن الشمس والقمر من النجوم فذكرهما ، ثم عطف على ذكرهما ذكر النجوم ، والسبب في إفرادهما بالذكر أنه تعالى جعلهما سببا لعمارة هذا العالم والاستقصاء في تقريره لا يليق بهذا الموضع ، فالشمس هي ينبوع الحرارة والضوء والحياة الكائنات وتجذب في حركاتها أكرا صغيرة معتمة لو فرض أن بعدها عنا كبعد الثوابت عنا لما شوهدت وتلك الأكر هي الكواكب المنسوبة لمجموعنا ، ونصف قطرها أعظم من نصف قطر الأرض بمائة مرة تقريبا ، وحجمها أعظم من حجمها بمائة ألف ألف مرة تقريبا ، ويتبسم نهارنا حيثما تقع أشعتها الضوئية على نصف كرتنا ويرخي الليل أستاره علينا حيثما تغيب تلك الأشعة عنا ، ويحصل من سيرها الظاهري المائل حول الأرض الفصول الأربعة ، ومقياس الزمن الذي لا يختل نسقه ولا يتعطل سيره إنما يؤخذ من كونها تحرك جميع ما هو معرض لتأثيرها حركة لا تتغير.
(في بيان القمر)
هو كوكب الليل وسراجه ، وهو جرم مظلم كروي نصف قطره أقل من ثلث ما للأرض بكثير أكثر من الربع بيسير ، وهو كما ذكرنا يستفيد من نوره من نور الشمس ، وفي حالة ما إذا كانت الكواكب الثلاثة أعني بالقمر والأرض والشمس موضوعة بحيث يمر الخط المستقيم بمراكزها يستر الضوء عنا بالقمر أو الأرض لكونهما جرمين مظلمين طبيعة ، ويكون ذلك هو المسمى بخسوف القمر أو كسوف الشمس فإذا لا يمكن أن يشاهد خسوف ولا كسوف إلا في زمن الاستقبال أو الاجتماع فخسوف القمر يحصل زمن الاستقبال وكسوف الشمس يحصل زمن الاجتماع ولجسم القمر تأثير قوي على الأرض باستقامة لقصر المسافة بينهما فإن تسلطن المد والجزر في البحر المحيط والهواء وحدوث كثير من الحوادث الجوية والأمراض المختلفة التي تحير فيها الأطباء ربما كانت حاصلة من تأثير القمر.
(في بيان خواص الكواكب)
ثم إنه تعالى خص كل كوكب بخاصية عجيبة وتدبير غريب لا يعلم بتمامه إلا الله تعالى وجعله معينا لهما في تلك التأثيرات والمباحث المستقصاة في علم الهيئة ، أن الشمس لها التأثيرات العمومية والقمر له التأثير الأرضي فلهذا السبب بدأ الله سبحانه وتعالى بذكر الشمس