(المسألة الثانية في قوله تعالى : (وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) [الأنبياء :الآية ٣٢])
وفيه معنيان :
(الأول):
معناه معرضون عما وضع الله فيها من الأدلة والعبر في حركاتها وكيفية حركاتها وجهات حركاتها ، ومطالعها ومغاربها واتصالات بعضها ببعض وانفصالاتها على الحساب القديم والترتيب العجيب الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة.
(الثاني) : قرئ عن أيتها على التوحيد ، والمراد الجنس أي هم متفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنيوية : كالاستضاء بقمرها والاهتداء بكواكبها وحياة الأرض بشمسها وأمطارها وهم عن كونها أية بينة على وجود الخالق ووحدانية معرضون.
(المسألة الثالثة) في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)) [الأنبياء : الآية ٣٣].
وفيه مسائل :
(الأولى):
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما قال : (وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) [الأنبياء : الآية ٣٢]. فصل تلك الآيات هاهنا ؛ لأنه تعالى لو خلق السماء والأرض ولم يخلق الشمس والقمر ليظهر بهما الليل والنهار ، ويظهر بهما من المنافع بتعاقب الحر والبرد لم تتكامل نعم الله تعالى على عباده ، بل إنما يكون ذلك بسبب حركاتها في أفلاكها فلهذا قال كل في فلك يسبحون.
(الثانية في بيان ما ذكر):
وتقريره أن تقول قد ثبت بالأرصاد أن حركة الكواكب السيارة مختلفة ، فمنها حركة تشملها بأسرها آخذة من المغرب إلى المشرق ، وهي الحركة اليومية المأثرة من الشمس ، وكل ما كان منها أسرع حركة إذا قارن ما هو أبطأ حركة فإنه بعد ذلك يتقدمه نحو المشرق ، وهذا في القمر ظاهر جدا فإنه يظهر بعد الاجتماع بيوم أو يومين من ناحية المغرب على بعد من الشمس ، ثم يزداد كل ليلة بعدا منها إلى أن يقابلها على قريب من نصف الشهر ، وكل كوكب كان شرقيا منه على طريقته في ممر البروج فيزداد كل ليلة قربا منه ، ثم إذا أدركه ستره بطرفه الشرقي ، وتنكشف تلك الكواكب عنه بطرفه الغربي فعرفنا أن لهذه الكواكب السيارة كواكب